فواز العلمي - الوطن السعودية الإعلام العربي نجح في اغتيال الفكر العربي واستباحة عقله وتأجيج الفتن والصراعات الداخلية بين مجتمعاته، وساهم في تحريض الشعوب العربية على عدم الاندماج مع العالم الخارجي هنالك نوعان من الديموقراطية: النوع الأول ديموقراطية مباشرة، وهي الأقل شيوعاً بين دول العالم، حيث يمارس أفراد الشعب من خلالها بشكل مباشر سلطة صنع القرار والتصويت على قرارات الحكومة والمصادقة على القوانين أو رفضها بدون وسطاء أو نواب ينوبون عنهم، كما يحصل في سويسرا. والنوع الثاني ديموقراطية نيابية، وهي الأكثر شيوعاً بين دول العالم، حيث ينتخب الشعب من خلالها نواباً ينوبون عنه في إقرار النظام السياسي واختيار أعضاء الحكومة الذين بدورهم يتخذون القرارات التي تتفق ومصالح الناخبين. وقد شاع هذا الشكل من الحكم الديموقراطي في العصور الأخيرة، وشهد القرن العشرون تزايداً كبيراً في أعداد الدول ذات الحكومات الديموقراطية النيابية. في الأصل، الديموقراطية هي حكم الشعب لنفسه، وهي التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة وتحرير الإعلام، بينما الليبرالية تعتمد على حماية حقوق الأفراد وتمثيل الأقليات وتحريض الإعلام، وهذا يؤدي إلى تقييد الأغلبية في التعامل مع الأقليات والأفراد. قبل عام 1900 لم يكن هنالك في العالم أجمع نظام ديموقراطي واحد، بينما وصل عدد الدول التي تتحلى بالديموقراطية اليوم إلى 122 دولة، تشكل 60% من دول العالم. وفق معايير "بيت الحرية"، جاءت لبنان في المرتبة الأولى بين الدول العربية وتركيا في المرتبة الثالثة بين دول حوض البحر المتوسط، بينما احتفظت الأنظمة الاستبدادية، مثل سورية وليبيا وإيران، بمراتبها المتدنية. في العالم الأول تعتمد الديموقراطية على الاستقرار السياسي وحرية الإعلام والشفافية في نظام الحكم وانخفاض مستوى الفساد والإرهاب والفقر والمجاعة وانخفاض نسبة قتل الشعب. كلما ازدادت جرعة الديموقراطية، ارتفع معدل قناعة الشعوب بالرأي الآخر وسعادتهم لاستباب الأمن وسيادة القانون وتسارع النمو والازدهار الاقتصادي وانحسار القيود على الإعلام. الإعلام العربي ما زال يخلط بين الديموقراطية والليبرالية، علماً بأن الوطن العربي يفتخر بارتفاع عدد فضائياته العربية التي فاقت 702 قناة إعلامية خلال العام الجاري، لتتفوق بذلك على عدد الجامعات العربية بنحو 5 أضعاف. جميع هذه الفضائيات أخلّت بمقومات الديموقراطية، لكونها تهدف إلى توطين مفهوم الليبرالية واستباحة عقولنا على حساب قضايانا المصيرية، وتشويه صورتنا، على عكس ما نتحلى به من صفات مميزة قلّ أن تتواجد في شعوب المعمورة قاطبة. في عصر الثورات العربية، تراجعت قدرات الإعلام العربي ليفشل في خدمة قضايا وأهداف قضايانا المصيرية. عوضاً عن رفع رأس الثائر العربي، أخفقت هذه الفضائيات في اختراق الرأي العام الدولي بسبب غياب الإرادة المؤمنة بالقضايا العربية، علماً بأنها نجحت في دغدغة مشاعر الشعب العربي وأثرت سلباً على قراراته. الإعلام العربي نجح في اغتيال الفكر العربي واستباحة عقله وتأجيج الفتن والصراعات الداخلية بين مجتمعاته، وساهم في تحريض الشعوب العربية على عدم الاندماج مع العالم الخارجي من خلال نشر الأفكار الليبرالية المشوهة عن تطور شعوب العالم. والفضائيات العربية أصبحت في عصرنا محكومة أصلاً بجغرافية مواقعها المحلية المحدودة وأجندات داعميها، وعجزها عن توحيد قواها وتوجيه رسالتها الإعلامية، مما أدى إلى ترك الساحة العالمية مفتوحة أمام وسائل الإعلام الغربية لتقدم ما تريده ولتشرح المواقف التي ترى أنها مناسبة لتوجهاتها وتطلعاتها. قبل نصف قرن بدأت العولمة مهامها بفتح الحدود الفضائية لقطاعين هما الاتصالات وتقنية المعلومات، لتصبح شعوب الوطن العربي رهينةً بأدوار فضائياتنا الإعلامية التي جعلت من البعيد قريباً ومن المخفي مكشوفاً. الاحتجاجات والمظاهرات والانتفاضات في مصر وتونس وليبيا وسورية واليمن، ولدّت العجز الإعلامي العربي، لأنها خلطت بين الديموقراطية والليبرالية، وكشفت عن عدم قدرتها على التغيير الإيجابي نحو ممارسة إعلامية ديموقراطية تسمح باحترام الآخر وتؤمن حرية الرأي والتعبير في الإعلام الفضائي. والانفجار الشعبي، الذي وصل اليوم الى الشارع المصري، بدأ يحدث تغييراً في الإعلام الليبرالي لا يمكن تحديد مساحته أو أفقه، مما أدى إلى تشبث الأنظمة بالحكم للمحافظة على سيطرتها ومكتسباتها، وساهم في توطين العجز الإعلامي لعدم قدرة هذه الأنظمة على الاستجابة لما تتطلبه الديموقراطية من قواعد أساسية للتغيير. وهذا يدل على أن البلدان التي شهدت الثورات بأمس الحاجة إلى التغيير للانتقال به من الليبرالية إلى الديموقراطية حتى تستقيم العلاقة ما بين المجتمع والحكم أو الدولة، والخروج من معادلة السيطرة على السلطة إلى الحكم باسم الشعوب. سورية هي أفضل دليل على ذلك، حيث يبدو أن العجز الإعلامي أكثر حدة من غيره، لأن النظام يستخدم فضائياته لإقناع العالم بأن حاجته أصبحت ماسة لاستباحة شعبه منذ عام 1963 وأن قطعان الشبيحة ستبقى للمحافظة على الاستقرار السياسي والأمن الوطني. الموقف الإعلامي السوري أصبح سيئاً بسبب الوضع الديموقراطي الذي يزداد سوءاً، وذلك بالرغم من الانفتاح المتردد اقتصاديا وسياسيا، ولكونه ما زال منخرطاً في اعتقاده بنظرية المؤامرة لعدم ثقته بأشقائه في الوطن العربي. بناء المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي وتعزيزها يحتاج إلى نخبة من الخبراء لوضع قضايانا المصيرية على طريق الديموقراطية بشكل أكثر ثباتاً من ممارسة أي ضغط مباشر أو غير مباشر. وإذا أخذنا في الاعتبار قوة بعض هذه الحكومات؛ فإن الأنظمة الثورية لن تحيد عن الديكتاتورية العسكرية في الوطن العربي. وكما حدث في مصر وسورية والعراق بعد الثورة، فلقد فشل نظام العسكر في منح الأولوية المطلوبة للحريات الإعلامية الديموقراطية. على الأنظمة الثورية العربية التوقف فوراً عن استباحة الفكر العربي.