د.سليمان بن عبد الله السكران - الاقتصادية السعودية لا شك أن الإنسان يسعى إلى تحسين ظروفه المعيشية والارتقاء بمعاييرها نحو التقدم والازدهار فيما يكفل ضمان العيش بمستوى متقدم. وعلى هذا جُبل الإنسان في هذه الحياة نحو التدرج في الرقي بمستويات معيشية من الأبسط منها إلى الأكثر تعقيداً لينتهي عادة بطلب الرفاه بشكل عام. ولن أدخل في النظرة والأسلوب أو الآلية التي يراها الإنسان لتحقيق ذلك من منظور عقدي مختلف لتركيزنا على محتوى هذا المفهوم من الناحية الاقتصادية فقط. ومن هذا المنطلق نرى أن الشعوب المتقدمة تعيش حياة مكلفة اقتصادياً لكون ما يراه الإنسان الذي في اقتصاد أقل تقدماً كنوع من الرفاهية المعيشية هو مطلب إلزامي ابتدائي لا يدور في الخلد أنه يستطيع العيش دونه، وتلك مسألة فلسفية لا نخوض غمارها، بل إن ما نعرضه في هذا المقام هو الانعكاس الاقتصادي فقط. ففي الاقتصادات المتقدمة الحديثة كالاقتصاد الأمريكي أو الأوروبي مثلاً، يلاحظ أن كثيراً من أنماط الحياة والصرف عليها شيء ضروري، بينما يراه الآخرون في الأقل تقدماً أو الاقتصادات النامية عالميَّا شيئاً غير جوهري، بل زيادة في المتعة المعيشية. ولا أتحدث هنا عن ترتيب الأولويات في العيش والضروريات المعروفة، بل نعني تلك الطرق الاستهلاكية للسلع أو الخدمات المنتجة في الاقتصاد التي تصنف لدى البعض الأقل مستوى معيشيَّا على أنها رفاه. ولذا فقد عمد الاقتصاديون إلى قياس تلك المستويات المعيشية من خلال مؤشرات أو إحصاءات عن بعض هذه الخدمات أو السلع، وذلك للتعرُّف على مستوى الرفاه للاقتصاد. ومثلما ذكر سابقا أن هذا الرفاه مكلف اقتصادياً ويختلف نظريّاً في آلية تمويله، عن طريق مديونيات أو خلافها. لكن المعلوم أن ذلك المستوى المعيشي المرفَّه يقتضي حشد مدخرات الاقتصاد بشكل كبير. ففي أوروبا مثلاً يطالب الساسة والاقتصاديون، على وجه الخصوص، باتباع سياسة تقشفية للخروج من أزمة المديونية التي تعانيها بعض الدول الاتحاد الأوروبي. وليس هذا فقط، بل إن البعض يرى أن المديونية بالأرقام الفلكية للاقتصاد الأمريكي يمكن تقليصها بشكل كبير فيما لو تغيَّر النمط الاستهلاكي هناك. إن الإفراط في الرفاه له تبعات مماثلة على الاقتصاد لأولئك الذين يعيشون في اقتصاد لا يعيش مجتمعه إلا على الحد الأدنى من الحياة. ولذا فالنظرية الاستهلاكية تقتضي أن يكون هناك توازن بين النقيضين وإلا انتهى الأمر إلى كارثة اقتصادية لا يخرج منها المجتمع إلا بعد سنين ولربما عقود من المعاناة.