ما مُنيت به الانتخابات البلدية من قلة إقبال، وعزوف عن المشاركة في هذه الدورة، خلافاً لسابقتها، يكاد يُعبر عن موقف جماعي لعدد كبير من المواطنين تجاه هذه الانتخابات، وهم المعنيون أصلاً بما كان مُؤملاً من المجالس البلدية التي أخفقت في تحقيق ما يأملونه وينتظرونه منها. وذلك لا يعود إلى عدم كفاءة الأعضاء الأفاضل الذين يشكِّلون منظومة تلك المجالس، ولا يعود إلى جودة الخدمات البلدية ووصولها إلى المستوى المرضي عنه. ولكن لأن النظام الذي يحكُم أمر هذه المجالس وينظِّم ارتباطها بالأمانات والبلديات. هو ما حصر قدرتها في مساحة ضيقة جداً. وحصر حركتها وفاعليتها في أفقٍ أضيق. فبدأت الدورة الأولى وانتهت كأن لم تكن..! ولم نُشاهد إنجازاً يُذكر، أو يُسجَّل في صحائف أعمال تلك المجالس إلا ما ندر..! بالرغم من التَّكالب عليها من الناخبين والمرشحين, واشتداد حمأة التنافس بينهم في تلك الدورة. فلما جاء وقت العمل والإنجاز.. لم نُشاهد غير الخطب والتصريحات, وذلك سببٌ في أن يفقد المواطن الثقة بالغاية المرجوَّة من هذه المجالس في ظل هيمنة ما كان يجب أن يكون مُراقباً ومُحاسباً- من تلك المجالس - عليها. وهو سببٌ كذلك في العزوف عنها في دورتها التالية.. ولعل الدرس المفيد هنا. هو أن المواطن بدأ يعي شيئاً من حقوقه. وبدأ واعياً بالمسار الأجدى بتطلعاته للخدمات والتنمية والرفاه المنشود..وهي التطلعات التي تعمل الدولة على تحقيقها, وتشكِّل أولويات اهتمام خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ورعاه- ولكن أداء بعض الأجهزة التنفيذية الخدمية يكاد يكون بطيئاً في هذا الاتجاه. ومن هنا..كان المواطن أقل حماساً للركض خلف الشعارات الفوَّارة، والأحلام المطلية بالبريق الزائف..لأنه يدرك مآلها الحتمي الحزين. ولعلي هنا أقيس حال المواطن مع الانتخابات وأجوائها.. بحاله إبان سني طفرة الأسهم ووهم الثراء السريع قبل سنوات. دون أن يكون لديه وعي بأصول اللعبة وأبجديات أسواق المال. كان بريئاً وهو يغامر باتجاه السهم الأخضر الصاعد، والآلاف التي تتوالد كل دقيقة. كان توَّاقاً إلى ضربة حظ تنقله إلى عالم الرفاه. ولم يدرك أن خيوط اللعبة بأيدي الكبار والهوامير الذين سحبوا البساط من تحت قدميه فخرَّ جاثياً يتجرع مرارة الخسارة. المواطن بدأ يعلم ويتعلَّم، بعد أن دفع لذلك ثمناً باهظاً من الأحلام والتطلعات والانتظار.