حادثة النعناع والمرأة والهيئة والتي تم عرضها خلال الأسبوع الماضي وتعرض لها كثير من الكتاب، كانت محل نقاش في العالم الواقعي وحتى في العالم الافتراضي حيث كثرت التعليقات التي تناقش وتحاور وتحاول أن تفهم. المبدأ الحقوقي المتفق عليه هو عدم الاعتداء على الآخرين تحت أي مسمى أو أي مبرر سواء أكان هذا الاعتداء فرديا أي من فرد تجاه آخر أو اعتداء يختفي تحت قناع النظام كأن يستغل شخص سلطة معينة لترهيب الاخرين، ولذلك وضعت القوانين والأنظمة. حين تقرأ الخبر بروية وهدوء تجد أن تصرفات رجال الهيئة هنا كانت متسرعة نتيجة معلومات مضللة أو قراءة غير صحيحة لمشهد ما، وهذا ليس بمبرر مقبول فمثلا الشرطي ورجل الأمن مطالب بأن يقرأ الموقف جيدا قبل أن يتصرف ومطالب أيضا بأن يعامل الطرف الآخر بكل احترام لأن الطرف الآخر حتى وإن كان مخطئا إلا أن خطأه لا يحرمه من حقوقه التي يحفظها المجتمع وتوثقها القوانين وتفعلها الجهات المعنية وهذا ينسحب على أي جهاز آخر له علاقة مباشرة بالمواطن سواء أكان جهازا رقابيا أو جهازا تنفيذيا، لكل من الطرفين حقوق واضحة ولكل منهم الحق في الدفاع عن نفسه فيما لو وجد أن هناك اعتداء أو افتراء عليه. لذلك مثلا نجد في المطارات العالمية وعند موظفي الجوازات وحواجز التفتيش لافتات توضح حقوقك كمسافر وأيضا تنبهك أنك لا تملك الحق برفع صوتك أو التعدي على الموظف الأمني الذي يؤدي عمله. لو وضعنا حادثة "النعناع" في هذا الإطار سنجد أن هناك عدم فهم من قبل رجال الهيئة المشاركين في هذا الموقف لحجم وتداعيات الخطأ الذي ارتكبوه في حق هذه المرأة بدليل أنهم وبحسن نيه توقعوا أن هدية بسيطة ستنهي الموقف وتمسح ما حصل من ذاكرتها. تصرفهم هذا قد يصنف ضمن السذاجة أو عدم الإدراك بحجم الخطأ الذي وقعوا فيه، ولو لم تكن المرأة واعية بحقوقها لما اتجهت لجهات عليا للمطالبة بهذه الحقوق ولما وصل الخبر إلينا. وهذا ما سأتوقف عنده، هذه الحادثة توضح أن هناك خللا ما، فالعنف التعاملي هنا لافت للنظر ولا مبرر له كما أن ردة الفعل بعد حدوث الخطأ هي ردة فعل غير مهنية من المخطئين جسدت السذاجة في التعامل مع الموقف فهم لم يدركوا تبعات هذا الخطأ وباءت محاولتهم لتطييب الخاطر بالفشل، بل خلطوا بين المعاملة الشخصية وبين المعاملة المهنية فالبعض مثلا يرى في الهدية البسيطة كباقة ورد أو حزمة نعناع كما في هذه الحالة وسيلة للاعتذار لكن حين نتحدث عن خطأ مهني فإن الاعتذار عنه يجب أن يكون بطريقه مهنية. ما حدث يوضح التخبط الذي يعانيه بعض منسوبي هذا الجهاز الحيوي فهم ليس لديهم معرفة واضحة بكيفية التعامل فيما لو حدث خطأ من جانبهم والأخطاء واردة لكن الذكاء يكمن في طريقة التعامل معها والتفاعل معها قبل أن تتفاقم. نحن نتحدث عن جهاز حيوي له علاقة مباشرة بالمواطن ولتصرفات هذا الجهاز وأفراده تأثير واضح على المجتمع ويفترض أن يكون لدى المنتسبين له طريقة تعامل رسمية واضحة عند حدوث الخطأ أو التجاوز حتى لو كان هذا التجاوز غير مقصود. الطرف الأقوى في هذه الحالة هو الذي يملك زمام الأمور مبتعدا عن الأخطاء قدر الاستطاعة والطرف الأقوى هو الجهة الرسمية التي يجب أن يكون لديها قوانين واضحة ومبادئ تعامل واضحة تحمي أفرادها بنفس الدرجه التي تحمي المتعاملين معها. حين نطالب بالتقنين أو توضيح الحقوق والواجبات نحن نقف مع الجهات الرسمية في محاولة للتقليل من الأخطاء والحوادث التي تضر بهذه الأجهزة مثلما تضر بالمتعاملين معها نحن لا نقف ضدها ولا نتصيد أخطاءها.