د.عصام عبدالله محمد الخرساني- اليوم السعودية قبل الاجابة عن عنوان المقال دعوني أطرح هذا السؤال: هل تتردد في إسداء النصيحة ؟؟ أقول الناس في ذلك منقسمون فمنهم لا يتردد ولا يرى بأساً في ذلك فما ان يستقر به المقام في مجلس إلا ويتقمص شخصية الحكيم بيدبا ويلتفت يمنة ويسرة لمن حوله ثم يشرع في توزيع النصح لهذا و ذاك ولا يهمه قبلت نصيحته ام لم تقبل لأنه في الأصل لا يريد النصح بل يريد الكلام في ما يعنيه وفي ما لا يعنيه فهذا جاهل سفيه لا ينبغي حتى الإلتفات اليه ومن الناس من ينصح بصورة غليظة فظة لاينقصه إلا عصا يحملها ليضرب بها المنصوح فهذا محال ان يجد قبولا ولو كان محقاً في نصحه حتى وان كان الأمر يعنيه ومن الناس لا يحلو له اسداء النصح إلا أمام الأشهاد وقد تستغرب من نصحه أمام الناس وكان باستطاعته النصح وأنتما كنتما قبل قليل على انفراد فهذا ليس همه مصلحتك بقدر ما يهمه ما سيقول الناس عنه ومن الناس من يرى ظلماً كبيراً ويستطيع بنصحه تغييره بإسداء النصح إلا انه سلبي ويقول ونا مالي ؟؟؟ ان اسداء وتقبل النصح من الاشياء التي تصادفنا مراراً وتكراراً في حياتنا بل قد تتكرر عدة مرات في اليوم الواحد وقد نضطر الى إسداء النصح رغماً عن انوفنا خصوصا اذا كان مستحق النصح ممن نهتم بأمرهم كأبنائنا واحبابنا لكن للنصيحة آدابا و اخلاقا لو التزمنا بها لوجدت اذانا صاغية وفي القلب مسكنا وقبولاً واذا تركنا تلك الآداب لوجدنا نفوراً وعداوة. أولاً لنعلم ان للنصيحة محلا في ديننا الاسلامي وفي ثقافتنا العربية ففي القرآن الكريم ذكر الله سبحانه تعالى النصح في آيات عديدة (وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون) وفي آية اخرى (وأنا لكم ناصح أمين) وفي آية أخرى (يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين) مما يبين ان جميع المجتمعات قديمها وحديثها في حاجة للنصح فالكبير ينصح الصغير والعالم ينصح الجاهل. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان خير الناصحين لأمته فهو الذي يقول (الدين النصيحة) ويقول العالم الشيخ ابوزكريا النووي رحمة الله عليه: قالوا مدار الدّين على أربعة أحاديث ، وأنا أقول بل مداره على حديث «الدّين النّصيحة». ورحم الله عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي عرف قدر النصيحة واثرها في قيامه على خلافة المؤمنين على أكمل وجه عندما قال: (رحم الله من أهدى إليّ عيوبي). قبل إسداء النصح يتحتم عليك أن تنظر إلى من سوف تسدي له النصح وابحث فيه عن ثلاث صفات : هل هو ممن يخاف الله ؟ وهل هو عاقل وليس بسفيه ؟ وهل هو بعالم وليس بجاهل ؟ فإذا وجدت تلك الثلاث فلا تتردد في إسداء النصح له وإلا فابتعد وادعُ له بالهداية ويقول الشاعر في الحث على تقبل النصح: وان ناصح منك يوما دنا فلا تنأ عنه و لا تقصه وقال آخر : مرارة النصح تحلو لي مضاضتها وربما صحت الاجسام بالعلل النصيحة يا كِرام ثمينة جداً ولا تقدر بثمن اذا جاءت من محب صادق ولقد قيل ان الأولين كانوا يبذلون المال للحصول على النصيحة ومنها القصة البليغة للمسافر الذي كان يملك ثلاثة جمال اشترى بها ثلاث نصائح فكانت كل نصيحة ببعير وكانت كل نصيحة سببا في نجاته هو وعياله فلماذا لا نعتبر مما نرى ومما نسمع ولماذا نستهين بالنصح ولا نتقبله بل ونسفهٌ صاحبه احياناً لاسيما اذا جاء النصح من محب صادق عالم لايرتجي من وراء النصيحة شيئاً.!!! هناك ثلاثة آداب مهمة ينبغي للناصح التحلي بها قبل ان يسدي النصيحة لغيره وليت الناس تعرفها وتلتزم بها لأصبحنا في ألف خير, اولها:التحلي بالحكمة والموعظة الحسنة واللين في النصح فلقد قال تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) والثانية: النصيحة في السر وليس امام الملأ ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول: تعمدني بنصحك في انفرادي فإن النصح بين الناس نوع وإن خالفتني وعصيت قولي وجنبني النصيحة في الجماعة من التوبيخ لا أرضى استماعه فلا تجزع إذا لم تعط طاعة والثالثة : ان لا تكون على شاكلة ما تنكر وتحذر منه في نصحك وهذه نواجهها في مجالسنا ونقول متعجبين : انظروا الى من يتحدث !!!! ولقد قال الشاعر في ذلك : لاتنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك اذا فعلت عظيم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك يقبل ماوعظت ويقتدى بالعلم منك، وينفع التعليم وقبل إسداء النصح يتحتم عليك ان تنظر إلى من سوف تسدي له النصح وابحث فيه عن ثلاث صفات : هل هو ممن يخاف الله ؟؟ وهل هو عاقل وليس بسفيه ؟؟ وهل هو بعالم وليس بجاهل ؟؟ فإذا وجدت تلك الثلاث فلا تردد في إسداء النصح له وإلا فابتعد وادعُ له بالهداية. مما يؤسف له ان مجتمعاتنا قد ابتليت باقوام لايسمعون النصح بالرغم من توجيهات ولاة الأمر (سلمهم الله) لهم بخدمة المواطنين والسهر على قضاء حوائجهم ولوكان ضرر عدم سماعهم للنصح على أنفسهم واهليهم لكان الأمر هيناً لكن عندما يكون الضرر على المجتمع تكون هذه الطامة و ينطبق عليهم قول الله سبحانه وتعالى ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد).