انباؤكم - الطاهر إبراهيم يسرب بعض اللبنانيين المستفيدون من بقاء نظام الرئيس السوري بشار أسد في حكم سورية، سيناريوهات تزعم أن رحيل هذا النظام سيخلف فوضى عارمة، لا تؤثر على سورية وحدها فحسب، بل على معظم دول المنطقة. إذا كانت هذه السيناريوهات تبث من لبنان، فهي تفبرك في مصانع إعلام النظام في دمشق، ثم تبث إلى محطات الاستقبال في واشنطن حيث يعتقد الرئيس السوري أن هذه ستحاول وقف معاول الهدم في أساسات حكمه، خوفا على دول في المنطقة، لا يسر واشنطن أن ترى التصدع يلحق ببعض تلك الأنظمة في المنطقة. هذه التسريبات تتجاهل قضية أساسية يتعامى النظام عن رؤيتها، وإن كانت أصبحت المؤثرَ الأهم في ما يجري في سورية الآن، وهي أن أكثرية الشعب السوري الساحقة متضررة من بقاء النظام في السلطة، ينتظر قسم كبير من هؤلاء المتضررين إعادة بناء دولتهم على نفس الأسس التي كانت مبنية عليها قبل استيلاء حزب البعث على السلطة في عام1963. وإن أي فوضى قد تنتج عن رحيل هذا النظام عن الحكم، إن كان شيء من ذلك سيتم، فإنها هامشية، أسقطتها التجربة الحية التي حصلت في تونس وفي مصر، عندما رحل النظامان من دون أن يتخلف عن رحيلهما أي فوضى كما هو واضح للعيان. قد يقول قائل إن هذا قياس مع الفارق، بعد أن وصل الاستقطاب إلى حدود قصوى في النظام الذي هيمن على كل شيء في سورية، بينما نظام "بن علي" ونظام "مبارك" ما كان رموزهما متجذرين في تونس ومصر في مؤسسات الحكم كما هو الحال في سورية. يرد المتظاهرون أن سورية عاشت تجربة مشابهة للحالة اليوم، عندما أسقط انقلاب الانفصال دولة الوحدة في أيلول عام1961. ففي أقل من شهرين تم انتخاب مجلس نيابي ورئيس جمهورية هو الدكتور "ناظم القدسي" وتشكلت حكومة أعادت العمل في كل وزارات الدولة ومؤسساتها، كما كانت قبل قيام الوحدة ، رغم الشغب الإعلامي الذي كانت تثيره أجهزة إعلام عبد الناصر. لو تحولنا من التأثير العاطفي الذي يشعر به الشعب السوري عندما يزول الكابوس الذي جثم على مقدرات الوطن وعلى قلوب المواطنين على مدى خمسة عقود، إلى الثورة التي أصبح الشعب السوري يتعايش معها كأنها دماء تجري في عروقه، وما عاد ينفك عنها، كما حصل عندما انسحبت بعض الدبابات من بعض شوارع مدينة حماة، حيث هب الشباب متظاهرا في تلك الشوارع تحت سمع وبصر ما تبقى من قادة الجيش وأجهزة الأمن والشبيحة في المدينة، لا يهزه الخوف، فقد زال الخوف من قلوب المتظاهرين. استطرادا، فإن الشباب السوري الثائر، ليس في وارده التوقف عن الثورة والتظاهر كل يوم جمعة، ويوميا بعد صلاة التراويح، ثم يقبل وعود النظام بإصلاحات لم يكشف عن عمقها حتى الآن، أو أن يتوقف بسبب القمع الشديد، كما حصل عندما قصفت زوارق حربية حي الرمل في اللاذقية، وربما يؤدي الأمر بالنظام مستقبلا، إلى استخدام الطيران في سبيل إنهاء الانتفاضة، لأن النكوص سينهي، -ولعدة عقود- الأمل بالحرية والديمقراطية ورحيل النظام الذي ما عاد يطاق البقاء تحت حكمه. فيما يتعلق بدخول قوى دولية وإقليمية على خط الإعصار الذي يجتاح سورية، فقد تأكد لدى هذه القوى صلابة الشعب السوري وتصميمه بالذهاب إلى آخر الخط في معركته مع النظام، وأنها ليست موجة ستتكسر على صخرة النظام الذي يريد، هو الآخر، أن يوحي للجميع بأنه مستعد للسير في القمع والقتل إلى آخر المشوار. مع أن هذا المقال هو لدحض المزاعم التي يريد النظام ترويجها بأن رحيله سيأتي بالفوضى، وأن هذه الفوضى سوف تمتد خارج حدود سورية. كما أن مواقف بعض القوى المؤثرة في القضية السورية، توضح الاستماتة التي يبديها كل من نظام طهران وحزب الله في لبنان، حيث أصيب الطرفان بالهلع بعد أن أحرق علم طهران وعلم حزب الله في كل الشوارع أثناء المظاهرات. وتبدت الاستماتة بضخ طهران المليارات في اقتصاد النظام السوري لتوظيفها في دعم هذا الاقتصاد المتداعي, وأن حزب الله ما برح إعلامه يفبرك إشاعات تزعم أن هناك تهريب أسلحة إلى المتظاهرين في سورية للإساءة إلى الثورة السورية السلمية، التي كان أهم شعاراتها منذ اليوم الأول هو سلمية هذه الثورة. ما هو واضح أن واشنطن لم تعد متمسكة بالرئيس بشار أسد. وعدم تمسكها بالرئيس بشار، قد يعني أنها ترحب بشخصية معتدلة قريبة،من النظام بشكل أو بآخر، لم يتم حرق أوراقها بعد. هذه الرغبة تصطدم بالمزاج الشعبي السوري الذي يريد أن يطوي صفحة النظام كله، لا فرق عنده بين معتدل ومتطرف. ما هو مؤكد أيضا أن واشنطن لا تأخذ على محمل الجد بأن البديل من الرئيس بشار هو حكم الإسلاميين كما يحاول النظام أن يوحي بذلك. أنقرة من جهتها، تحاول أن يفهم الآخرون عنها أنها ليست مع رحيل الرئيس بشار أسد، وإن كانت تعتقد أن بقاءه سوف يبقي الأحداث مشتعلة. حتى الآن ليس واضحا ما هي الأوراق التي تلوح بها أنقرة في وجه النظام ليوقف إطلاق النار على المتظاهرين. هذا الرغبة، على ما يظهر أنها مشتركة مع واشنطن. باقي دول الجوار تحاول أن تنأى بنفسها عن أن تنخرط عمليا بما يجري. وكل ما توده هذه الدول هو أن لا تصيب عدوى الثورة جماهيرها. الثوار في سورية –على ما يعتقد- يرحبون بالمواقف الإيجابية، إقليميا ودوليا، كما يظهر من اللافتات التي ترفع أثناء التظاهر. كما يرفضون أن "يجيروا" لصالح أي من القوى الخارجية ، شعارهم في ذلك: "وكل يدعي وصلا بسلمى وسلمى لا تقر لهم بذاكا".