انباؤكم - الطاهر إبراهيم لم يندهش السوريون ومعهم كثير من المراقبين، عندما سمعوا الرئيس السوري بشار أسد في خطابه يوم الأربعاء 10 كانون الثاني الجاري وهو يعيد أسطوانة مشروخة اعتاد أن يرددها إعلاميو نظامه ونظام أبيه من قبل متهما السوريين ودول الجوار بالتآمر على سورية. كما أن إدعاء الرئيس السوري بأن نظامه هو النظام المقاوم الممانع العربي الوحيد، وكما زعم ذلك "حسن نصر الله" قبل أيام هو كذبة كبرى كشف السوريون زيفها، وهو أحد الشعارات التي رفعها النظام، لكن من دون مصداقية. فأي مقاومة تلك وأي ممانعة، والجولان السوري محتل منذ 45 عاما، لم تطلق رصاصة سورية واحدة ضد إسرائيل على مدى 40 عاما؟ فمنذ اليوم الأول لانقلاب حزب البعث على السلطة الشرعية في سورية عام1963 أدخل هذا الحزب على الثقافة الوطنية والشعبية شعارات براقة سوقتها دكاكين النضال البعثية،كان منها شعار: لاصوت يعلو فوق صوت المعركة. كما تم تقسيم المواطنين حسب مرجعيات سياسية وقوالب اقتصادية، فهذا مناضل ثوري تقدمي، وذاك عميل إقطاعي رجعي. هذه الشعارات لم يكن لها رصيد في قلوب البعثيين بل كانت للاستهلاك المحلي فقط. فعندما وُضِعت حكومة البعث تحت الاختبار انهزمت شر هزيمة في حرب 5 حزيران عام 1967، وقاد هذه الهزيمة وزير الدفاع في ذلك الوقت اللواء "حافظ أسد"، وأعلن عن سقوط القنيطرة في يد الجيش الإسرائيلي في 9 حزيران، أي قبل يومين من دخول الإسرائيليين إليها. بعد الهزيمة كان لا بد من إعادة هيكلة حكم البعث، فتم تحميل الهزيمة والإخفاق إلى الفريق الأضعف في الحزب، وتمت تصفيات داخل السلطة والحزب، فأُعدِم رفاق بعثيون، زُعِم أنهم انتحروا، مثل "عبد الكريم الجندي"، واعتقل من اعتقل، وهرب آخرون خارج سورية. وهكذا تداول الضباط البعثيون على سدة السلطة في سورية. انقلابيّ يأتي وآخر يذهب، حتى رسى المزاد أخيرا على اللواء "حافظ أسد" الذي أطاح عام 1970، بجميع رفاقه البعثيين بعد أن اعتبرهم متآمرين على البلاد، وكانوا حتى قبل يوم واحد شركاء له في حكم سورية. أدخل البعثيون مصطلح المؤامرة بقاموسهم منذ انقلابهم عام 1963، لكي يتهموا من عداهم من السوريين بالتآمر. ثم ما لبثوا أن اتهموا فرقاء منهم بعد كل جولة تصفية وانقلاب جديد, من دون أن يتم تحديد طبيعة المؤامرة حتى يتم معرفة من يتآمر على من؟ عندما استلم حافظ أسد السلطة قبل أربعة عقود، واتهم بعثيين بالتآمر على سورية، لم يتعجب المواطن السوري، فقد كانوا –بمن فيهم حافظ أسد- متآمرين على الحقيقة.فقد تآمروا في عام 1963 على الشرعية الدستورية، ممثلة برئيس جمهورية منتخب هو الدكتور "ناظم القدسي" وعلى حكومة منتخبة منحها الثقة مجلس نيابي منتخب . اليوم يخرج علينا الرئيس بشار أسد في رابع خطاب له منذ بدء الثورة في 15 آذار، متهما الثوار بالتآمر ودول الجوار. وكخطاباته السابقة لم يأت خطابه الرابع بجديد يمكن أن يعتبر علاجا يداوي به إخفاقات نظامه في مقاربة حل جذري للاستعصاء السوري المستحكم. كما فاقم الخطاب عزلة سورية الإقليمية بتهجمه على الجامعة العربية وعلى زعامات عربية، فجاء كلامه جزافا لا يليق برئيس جمهورية يسب زعماء عربا ويصفهم "بالمستعربين"، وإن لم يسمهم. استطرادا فإن هذا الوصف إذا كان هناك من يستحقه فهو الرئيس بشار أسد نفسه، ومن قبله الرئيس حافظ أسد. لن أفصل كثيرا في نفي اتهامه هذا، فقد أفرد له مقالا مستقلا. فقط أنوه بأن حافظ أسد وقف مع إيران ضد العرب عندما دعمها في حربها ضد العراق. ويبقى أن الولد سر أبيه، فها هو بشار أسد لم يوجه نقدا لإيران لاحتلالها الجزر الإماراتية الثلاث منذ عام 1971. ويبقى التساؤل: من تآمر حقيقة على سورية؟ أهم الثوار السوريون؟ أم بشار أسد ومن قبله أبوه حافظ أسد؟ تجدر الإشارة إلى أن بشار أسد ومن قبله أبوه، قد سوى بينه وبين سورية، واعتبر من يقف ضد استبداده وضد وقمعه للشعب أنه يتآمر على سورية، ما يعني أنه يعتبر أن سورية هي بشار أسد وبشار أسد هو سورية. وإذا كنا نسميه باسم رئيس سورية فذلك على اعتبار الأمر الواقع. وإلا فإن بشار أسد هو مغتصب للسلطة في سورية، وكان أبوه قبله قد سبقه في ذلك عندما استلم السلطة في سورية بانقلاب عام 1970، وما أسس على فاسد فهو فاسد. تأسيسا على القاعدة الأصولية أعلاه، فإن انقلاب آذار عام 1963 كان اغتصابا للسلطة. كما أن انقلاب حافظ أسد في ما أسماه الحركة التصحيحية عام1970 هو اغتصاب للسلطة أيضا .كما أن تسمية بشار أسد عام2000 للرئاسة لم تكن شرعية. أي أن رؤساء سورية منذ آذار عام 1963 وحتى تاريخ اليوم وقع حكمهم خارج الشرعية الدستورية التي ترتب الحكم على الاختيار الحر من خلال صناديق الاقتراع الشفافة. فإذا كنا نقول إن الرئيس بشار أسد فاقد للشرعية، فهو من قبيل المجاز. وإلا فإن حكمه لم يكن شرعيا بالأصل. تلك كانت المؤامرة التي خضع لها الشعب السوري باسم الشرعية الثورية. فلا شرعية لأي ثورة يترتب عليها اغتصاب الحقوق. وكل ما قام به حافظ أسد بعد اغتصابه للحكم في عام 1970 كان منافيا للشرعية الدستورية التي تعني الحكم عن طريق الانتخاب الحر. لعل أكبر تآمر قام به بشار أسد هو استحلاله دماء السوريين الذين تظاهروا مطالبين بالحرية والديمقراطية وتداول السلطة، وقد حرموا منها خلال 41 عاما في عهده وعهد أبيه من قبل. فعندما تظاهر السوريون، قتلت كتائب بشار من قتلت واعتقلت من اعتقلت وانتهكت أعراضا كثيرة، كما زاد عدد شهداء الثورة السورية حتى نهاية شهرها العاشر عن ستة آلاف حسب إحصاء الأممالمتحدة الموثق . كما زاد عدد من اعتقلوا واختطفوا واختفوا عن خمسين ألف سوري.هذه القراءة تبين للعالم أجمع من هو المتآمر في سورية ومن هم ضحية التآمر؟