صالح محمد الجاسر - الاقتصادية السعودية عنوان هذا المقال هو عنوان كتاب أصدرته قبل 21 عاما، وحتى لا يظن القارئ الكريم أن هذا من باب الترويج للكتاب، فقد طبعت من الكتاب طبعتان ونفدتا من السوق، ولم أعد طباعته مرة ثالثة. الاغتيال، كلمة تتردد بشكل مستمر، والبعضُ يخلط بينها وبين القتل في مواجهة مسلحة، على الرغم من أن الاغتيال مرتبط بحالة خاصة من الاستهداف، وهي كما عرفها الدكتور أدونيس العكرة في كتابه الإرهاب السياسي ""حادث اعتداء يذهب ضحيته شخص أو أشخاص أو ممتلكات عامة أو خاصة، بصورة مفاجئة، وغير منتظرة من قبل الضحية"". ورغم أن كلمة اغتيال في اللغة الإنجليزية Assassination مشتقة من اسم فرقة الحشاشين التي اتخذت من قلعة الموت في إيران مقراً لها، واعتمدت الاغتيال وسيلة لتحقيق أهدافها الدينية والسياسية، إلا أن تاريخ الاغتيال يعود إلى ما قبل ذلك بقرون عديدة، فمن اغتيال الحاكم اليوناني هيبارخوس عام 514 قبل الميلاد، إلى عملية اغتيال يوليوس قيصر عام 44 قبل الميلاد، والتي أطلق خلالها عبارته الشهيرة (حتى أنت يا بروتس). وفي تاريخنا الإسلامي عرف المسلمون ظاهرة الاغتيال منذ العام الهجري الأول، حينما اغتيل ثلاثة من الخلفاء الراشدين، هم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم أجمعين -. العالم الغربي الحديث لم يكن بعيداً عن عمليات الاغتيال، فقد شهد خلال القرنين الماضيين عمليات اغتيال كثيرة، قام بها أفراد ومنظمات إرهابية، بل إن اغتيال ولي عهد النمسا والمجر الأرشيدوغ فرانز فرديناند في حزيران (يونيو) من عام 1914 على يد طالب صربي، كان سبباً في نشوب الحرب العالمية الأولى التي استمرت أربع سنوات ونصف. وكما أن غالبية عمليات الاغتيال يكون المستهدف فيها فرداً، فهناك عمليات اغتيال جماعي، من أبرزها ما نفذه محمد علي في مصر عام 1811، حينما دعا المماليك إلى احتفال في القلعة ونفذ مذبحة ذهب ضحيتها نحو 400 منهم. عمليات الاغتيال قد تكون غريبة، مثل عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رشيد كرامي الذي اغتيل في حزيران (يونيو) عام 1987 بقنبلة وضعت تحت مقعده في طائرة هليوكبتر عسكرية كانت تقله من طرابلس إلى بيروت، فقتل لوحده، وهناك عمليات اغتيال معقدة التنفيذ وتقف خلفها قوى ذات إمكانات عالية، مثل عملية اغتيال الرئيس اللبناني الأسبق رينيه معوض الذي اغتيل في تشرين الثاني (نوفمبر) 1989، في عملية تفجير تكاد تتطابق من حيث طريقة التنفيذ مع عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في شباط (فبراير) 2005. كما أن هناك عمليات اغتيال مركبة، تتحول إلى لغز يستعصي حله رغم مرور السنين، ومن ذلك عملية اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي في مدينة دالاس في تشرين الثاني (نوفمبر) 1963، فبعد إلقاء القبض على لي هارفي أوزوالد وتوجيه التهمة له، جرى اغتياله أثناء نقله من مركز الشرطة إلى سجن الولاية، ولا يزال الغموض يلف عملية الاغتيال هذه، رغم ما شكل من لجان تحقيق عديدة على مدى السنوات الماضية. الاغتيال لا يقتصر على المناوئين، فهناك عمليات اغتيال تجرى بين المنتمين إلى تنظيم واحد، إما من باب الصراع على السلطة، أو للتخلص من شخص أصبح محل إدانة، وقد يصبح مصدر خطر عند وقوعه في يد قوى معادية. والاغتيال قد لا يكون المقصود به شخص الضحية، بل قد يكون رسالة توجه إلى دولة، أو جماعة، أما من يقف خلف عمليات الاغتيال، فمن الخطأ الأخذ بظواهر الأمور، وما يُعلن عن تبني طرف من الأطراف المسؤولية، أو التأييد، فقد يكون ذلك بهدف تشتيت الأنظار وصرفها عن الفاعل الحقيقي، الذي قد يقوم بعملية الاغتيال، عبر أجهزة تابعة له، أو عبر من يقوم بهذه العمليات مقابل المال. كما أن هناك نوعا آخر من الاغتيال، هو الاغتيال المعنوي، بتشويه سمعة شخص من الأشخاص، بهدف إبعاده عن المسرح، ولعل من هذا ما تعرض له دومينيك شتراوس مدير صندوق النقد الدولي من اتهام بالتحرش. هذه الأيام صدر القرار الاتهامي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، فهل يكون هذا القرار بداية فتح ملفات اغتيال سابقة جرت في لبنان، وكان من نتيجتها القضاء على فعاليات سياسية ودينية وإعلامية عديدة؟