في نصف ساعة من ساعات يوم أمس الملتهب بخبر مقتل "أسامة بن لادن"، كان شريط "التعازي" والدعاء بالثبور وعظائم الأمور يمر أمام عيني على شاشة قناة "الجزيرة مباشر" مبطنا بتهديدات يطلقها مجهولون تحت أسماء مستعارة.. لحظتها عدت بذاكرتي للوراء عدة سنوات عندما كنت استمع بذهول كغيري لاعترافات أحد منتسبي القاعدة الذين قبض عليهم بعد عملية إرهابية في المملكة، حينها قال ذلك الشاب الذي "بايع" بن لادن: إنه بعد أن قررت الخلية (إحدى خلايا القاعدة) التي يتبع لها تنفيذ تفجير أو نحوه لم يستطيعوا التنفيذ بسبب "البيعة" إلا بعد إرسال رسالة خطية ل"بن لادن" يستأذن فيها، فكان رد زعيم التنظيم عبر رسالة صوتية بثتها قناة "الجزيرة" ذكر فيها ضمنا أنه "لا يمانع من استهداف المنشآت النفطية". وبهذا أخذت الخلية شارة الانطلاق لتنفيذ العملية من خلال القناة. وما عزز استعادة هذه الذكرى المؤلمة لدور الإعلام في التحريض على الإرهاب، أن أحد مراسلي "الجزيرة " تحول أمس في أحد برامج "الجزيرة مباشر" إلى محلل سياسي "خطير" فأكثر ما يلفت الأنظار ويحير الأفهام أنه كرر عدة مرات في أقل من عشر دقائق التأكيد على أن "أميركا وربما باكستان ستدفعان ثمن إلقاء جثة ابن لادن في البحر غاليا، أكثر من لو أنه دفن في مكان معروف". حيث جاء رأيه هذا متناغما جدا مع الرسائل النصية المذيلة بأسماء وألقاب مستعارة والتي ترش الشاشة على مدار الساعة، وكأن من يبثها يحاول تكوين رأي عام حتى عن طريق التزوير يعيد إنتاج "القاعدة" من جديد، مستغلا الحدث، وربما البحث عن" زعيم جديد"!. ما أخافه ولا أتمنى حدوثه أن تكون "الجزيرة" بهذا الموقف التحريضي الواضح تحاول استعادة بعض "الوهج" وربما "تبييض الوجه" أمام بعض القوى المتطرفة داخل الدول العربية، بعد أن شعرت أنها خسرت بعض هذه القوى، خصوصا مع تتابع الكشف عن بعض "الممارسات المهنية" التي تدار خلف الكواليس، وبدون قصد أظهرتها كاميرا "خفية" وتناقلها القاصي والداني. فكلنا يذكر كيف اشتهرت قناة "الجزيرة" الإخبارية في سنواتها الأولى، وكيف كانت "الرسول الأمين" لأشرطة بن لادن والظواهري، حتى لو أدى ذلك إلى اعتقال أحد أبرز مراسليها " تيسير علوني".