في مقال الأسبوع الماضي تحدثتُ عن العالم بدون أسامه بن لادن في نفس هذه المساحة، وكيف سيكون تأثير رحيل ابن لادن على تنظيم القاعدة ، واتضح أن ابن لادن يماثل الكثيرين من أبناء الجزيرة العربية بجميع دولها فقد وقع تحت مضخة الجهاديين والتكفيريين الذين يدفعون بالجميع نحو هاوية الجهاد المفتعل وخاصة ممن تفرعوا عن تنظيم الإخوان المسلمين، ولكن النظرية الباقية تقول إن كلّ من مارس التشدد تدينا أو تفكيرا أو ثقافة أو عاش في بيئة نمطية التكوين يصبح قابلا للانحراف والتطرف سواء الديني أو غيره. وهنا يجب أن نعترف أن هؤلاء المتشددين هم يشكلون ظاهرة انحرافٍ عن الخط الديني الوسطي، وخروج عن نمطية لها أبعاد تاريخية وثقافية واجتماعية بل وحتى سياسية في عالمنا الإسلامي. ابن لادن كان الشخصية الملهمة لتنظيم القاعدة ولديه كاريزما حرص الظواهري على تقديمها كميزة خاصة لابن لادن ، لأن الظواهري لم يكن قادرا على أن يظهر بشكل مقنع للجميع ، فما كان منه سوى تقديم ابن لادن ليقود التنظيم مع أن ابن لادن يثق برفيقه أبو حفص المصري أكثر من الظواهري، ولكن معرفة الظواهري بنفسه جعلته يختار ابن لادن لأسباب كثيرة ولكن من أهمها عدم كفاءة الظواهري لمنصب القائد. الظواهري شخصية محصورة في الإطار المصري وهو لا يستطيع أن ينسى خلفيته التاريخية بل إن لديه أزمة تتمثل في عدم قدرته على استيعاب فلسفة ابن لادن نحو التنظيم وتظهر كثيرا هذه الأزمة في خطاباته، وتتمثل في عجزه عن التعبير عن عالمية القاعدة تلك الفلسفة التي يتبناها ابن لادن بعد أحداث سبتمبر أظهرت صوره الأخيرة التي بثتها المخابرات الأمريكية وقالت إنها وجدتها في منزل ابن لادن وهو يتابع التلفزيون بشكل تقشفي رهيب وبطريقة أفغانية حيث يلف على جسده قطعة من القماش تعبًر عن أسلوب حياته الصعب، ولكن الجانب النفسي في هذه الصورة التي يستطيع علماء النفس الحديث عنها أن طريقة ابن لادن في متابعة نفسه على التلفزيون تدل سيكولوجياً انه معجب بذاته وانجازاته كثيرا، وهذه سمة قد تتعارض مع كل حالات الزهد التي كان يعيشها وتربى عليها، فمن الواضح أن ممارسة الزهد في حياة ابن لادن هي تحد صارم مقابلٍ لحياة الترف التي عرفها ولم تكن أكثر من ذلك كما يبدو. اليوم وبعد أن غادر ابن لادن المشهد فإن الظواهري يجد نفسه أمام أسئلة كثيرة بل معقدة فالظواهري ظهر مع ابن لادن في مشاهد كثيرة وهو يهز جسده بشكل تلقائي كما يفعل المتصوفة والدراويش وهذه دلالة لا تعكس الشخصية القوية للظواهري الذي لا يشارك في العمليات إنما يعلق عليها ويباركها بل انه من الممكن أن نقول انه يخاف من منظر الدم والقتل عطفاً على تكوينه النفسي مع كونه طبيبا . الفكرة التي تغيب عن الكثيرين أن في القاعدة اليوم عناصر عاشت بعيدا عن قيادات التنظيم وعن مقومات التأسيس فالقاعدة في جزيرة العرب تسلك طريقا فكريا متعارضا مع الظواهري فالخلفية التي يعتمد عليها الظواهري في بنائه الفكري تختلف كثيرا عن قيادات وأعضاء قاعدة جزيرة العرب، وكذلك ينطبق الأمر على قاعدة المغرب العربي فهناك الكثير من الاختلافات بل قد يصل أحيانا إلى التعارض الصارخ الذي يهدد بقاء القاعدة كتنظيم. الطريق أمام الظواهري يخضع للكثير من الاختبارات فهل سوف يسير الظواهري بنفس الخط الذي سلكه ابن لادن وخاصة في سنواته التي اختفى فيها بين أفغانستان وباكستان، أم انه سوف يحاول بناء قاعدة جديدة؟ طريق ابن لادن كان يعتمد على فكرة رئيسة وهي مباركة الأعمال التي تنفذ في كل موقع من العالم وتنسب إلى القاعدة بغض النظر عن من ينفذها، هذا الأسلوب الإداري ميز فلسفة ابن لادن خلال السنوات الماضية، ومن خلال تحليل دقيق لشخصية الظواهري لا يمكن أن يتوافق هذا الأسلوب مع طبيعة الظواهري الذي يعاني من أزمة إدارة ، يقول زميله القديم الرائد : عصام القمري مخاطبا الظواهري "إذا كنت عضوا في أي جماعة ، فإنك لا تصلح أن تكون القائد". في الحقيقة إن تجربة الظواهري في التنظيم تثبت انه لايمكن أن يكون قائدا فالسمات الشخصية للظواهري تنم عن منظّر وليس قائدا تنفيذيا، لذلك بقي ليلعب دور الرجل الثاني في التنظيم طوال فترة ارتباطه بقائد التنظيم ابن لادن خلال السنوات الماضية، الظواهري شخصية محصورة في الإطار المصري وهو لا يستطيع أن ينسى خلفيته التاريخية بل إن لديه أزمة تتمثل في عدم قدرته على استيعاب فلسفة ابن لادن نحو التنظيم وتظهر كثيرا هذه الأزمة في خطاباته، وتتمثل في عجزه عن التعبير عن عالمية القاعدة تلك الفلسفة التي يتبناها ابن لادن بعد أحداث سبتمبر فهو يركز كثيرا على الحالة المصرية والعداء المباشر للقيادات والحكام العرب بينما ابن لان يرى أن أمريكا عدو أساسي يسبق الدول العربية وحكامها وأينما توجد مصالحها فهي هدف مشروع للقاعدة. الظواهري لو فكر في تولى قيادة القاعدة فسينحسر التنظيم نحو منهجية الممارسات المحلية، وسوف يعود إلى تاريخ جماعات الجهاد والتكفير وصراعاتها حول القيادات وهذا ما تم تجاوزه في كثير من الدول العربية بعد الثورات التي اجتاحت تلك البلدان.، عالمية التنظيم تلك الفلسفة التي سنها ابن لادن سوف تنحسر نحو المحلية وقد تتركز عمليات القاعدة في دولة أو دولتين وغالبا ستكون مصر إحداهما عطفا على خلفية الظواهري الوطنية والفكرية. السؤال اليوم يقول هل سيكون همّ الظواهري اليوم البحث عن ابن لادن جديد ومن المرشح لذلك...؟ أم سيكون همه الانتقام لزعيم التنظيم..؟ أم إعادة أدلجة التنظيم...؟ الذين سوف ينتقمون لابن لادن ويعلنون ذلك هم الفئات التي لن توافق للظواهري على أن يكون القائد الجديد للتنظيم لذلك هناك ثلاثة احتمالات مفترضة لحالة القيادة في تنظيم القاعدة، الاحتمال الأول: أن يعلن الظواهري قيادة التنظيم ولكن هذا سوف يكون دون موافقة ذراعين أساسيتين في القاعدة هما القاعدة في جزيرة العرب، والمغرب العربي لكونهما لن توافقا أبدا على هذا المقترح لكونهما أحق في القيادة من غيرهما عطفا على عملياتهما المتكررة ونشاطهما الجهادي. الاحتمال الثاني: أن يصمت الجميع عن إعلان خليفة لابن لادن ولكن كل تنظيم فرعي في القاعدة وفي أي موقع من العالم سوف يعمل وحده بفلسفته الخاصة ولكن باستخدام اسم القاعدة وهذا سوف يخلق إطارا فكريا جديدا لدى كل تنظيم فرعي للقاعدة ما يعني بداية السقوط والذوبان الفكري وتناثر الأهداف وتعددها. الاحتمال الثالث صراع فكري بين أعضاء القاعدة يظهر إلى العلن بعد ستة اشهر من موت ابن لادن بعد أن يتم العودة إلى العمل في التنظيم، ومن المتوقع أن تشهد الساحة تناقضات في الأهداف حيث ستختار كل مجموعة هدفها بحسب قائدها وسوف نشهد أكثر من متحدث باسم التنظيم مستقبلا، وهنا سوف تظهر الصراعات وهذا الاحتمال هو الأقوى فتاريخ جماعة الإخوان المسلمين يعيد نفسه مع القاعدة وقد تتحول القاعدة إلى منظمة مسالمة في المراحل القادمة، ولذلك من المحتمل أن تدفع القيادات المعتدلة لتولى مناصب مهمة وقد تكون طالبان هي البديل المحتمل لقيادة القاعدة وتحويلها إلى تنظيم مسالم يشارك في إدارة أفغانستان والقضاء على تفرعاتها في العالم والمساهمة في انحسارها الى الموقع الذي انطلقت منه.