صالح محمد الجاسر - الالقتصادية السعودية هذا التساؤل طرحه مذيع إحدى القنوات الفضائية يوم الأربعاء الماضي وهو يناقش مع ضيوفه قيام أسرة الشاب التونسي محمد البوعزيزي بالعفو عن الشرطية فادية حمدي التي صفعت ابنهم، وكانت سبباً في قيامه بإشعال النار في نفسه، وكان المذيع جاداً وهو يقترح منحها جائزة، مبرراً ذلك بأن صفعتها أشعلت الثورات في العالم العربي. وجاء رد أحد الضيوف متعجباً من هذا الاقتراح، مشيراً إلى أن الصفعة أدت إلى انتحار البوعزيزي. المذيع كان يتحدث من منطلق عمله في قناة استفادت من هذه الثورات فملأت ساعات البث بمواد لم تكن تحلم بالحصول عليها من قبل، ولهذا كان الواجب عليه أن يقترح على إدارة قناته منح جائزة لهذه المرأة، لأنها حسب اعتقاده السبب في الثورات العربية. محاكمة هذه الشرطية تبين مدى تأثير الرأي العام في القضاء، خاصة في مثل الأوضاع التي جرت فيها محاكمة هذه الشرطية، ففي الوقت الذي اعتبر فيه البعض هذه المرأة سبباً في دفع الرجل إلى الانتحار، تغاضى كثيرون عن ذلك، ونظروا إلى النتيجة التي تحققت من وراء هذا الفعل، دون وضع اعتبار للمجنى عليه، فكان ضغط الرأي العام سبباً في العفو عنها. فأثناء جلسة شهدت حضوراً جماهيريا كبيراً، أصدرت المحكمة الابتدائية في مدينة ""سيدي بوزيد"" يوم الثلاثاء الماضي حكماً قضى بعدم سماع الدعوى في هذه القضية، بسبب وجود ""إخلالات شكلية"" في القضية، وهي إخلالات أشارت محامية الشرطية إلى أن من بينها ""عدم وجود متضرر، أو سماعه""، وقوبل الإعلان عن حكم البراءة بترحاب وابتهاج كبيرين، من قبل الجموع الغفيرة من المواطنين الذين تابعوا الجلسة داخل قاعة المحكمة وخارجها، وأثنت وكالة الأنباء التونسية على ""شجاعة هيئة المحكمة، التي برهنت على استقلالية القضاء"". أما والدة الشاب، التي كانت في السابق تطالب بمحاسبة الشرطية، فقد علقت على الحكم قائلة: ""لقد أوكلت أمري إلى الله، ويكفينا ما نتج من حرية ورحيل الطغاة"". هذا الوضع يجعلنا نتساءل عن مدى ما تحققه المحاكمات التي تقام عقب الثورات مباشرة، وقبل أن يستتب الأمن، وتهدأ الأنفس، وتنتظم الحياة المدنية، من عدالة للمتهمين، خاصة إذا كانت الجموع الهائجة قد أصدرت حكماً مسبقاً على المتهم، بالإعدام، أو السجن، وفي هذا الوضع هل يستطيع قاض مهما كانت قوته أن يحكم بالبراءة، إذا ما تيقن من هذا الحكم، فيخسر منصبه، وربما حياته؟