تعاني أغلب الأحياء في مدننا من غياب ثقافي بائن يتجلى في وجود مجموعة من المباني السكنية التي قد لا تربط أصحابها أدنى مقومات العلاقة المجتمعية؛ فلم تعد الأحياء مكانًا للنقاشات الثقافية ولا ميدانا لممارسة العمل الثقافي بشتى صنوفه، مما حدا بالمثقفين والمهتمين بالنشاط الإبداعي إلى التسجيل في الأندية الأدبية وغيرها من المراكز بغية الالتقاء بمن يشابههم في التوجه والهم الثقافي الواحد. وللأسف الشديد فإن ابتعاد الأحياء عن إقامة الدور الثقافي، واقتصاره على دوائر بعينها تعنى بذلك الدور تسبب في تغييب الكثير من الشباب والشابات حيث يتم التركيز على أسماء بذاتها تنتقل من محفل إلى مثله وكأن الثقافة خلقت لهم دون سواهم! نعم غابت الأحياء بسبب غياب الاهتمام من الجهات المعنية بشريحة كبيرة من أبنائنا وبناتنا الذين قد لا تسعفهم الظروف للالتحاق بالمراكز الثقافية الكبرى التي طوقت نفسها بكثير من الرسمية والبيروقراطية إلى درجة أنها باتت تصنف المثقفين والمثقفات وتحتكر الإبداع في فئة من الناس لم يخلق مثلهم في البلاد..! إذن لابد أن تقوم الإدارات والأمانات بإنشاء مراكز تهتم بمثقفي الأحياء لتعطيهم الحق في ممارسة مناشطهم الثقافية تحت إشراف ثقافي متخصص يعنى بالمثقف والمبدع دون النظر إلى جنسه وفصيلته..! * أخيرًا: كبار المثقفين والمثقفات من البلدان العربية تخرجوا في الأحياء الصغيرة ومنها انطلقوا إلى العالمية، بربكم لا تخنقوا المثقفين بالأطر الرسمية، فالإبداع يموت في أرض أهله إن لم يجد من يرعاه وينهض به!... الفرق بيننا وبين غيرنا في ذلك المنحى، بحثهم عن ذات الموهبة وثقافة الإنسان من أي مكان، أما نحن فنبحث عن الأسماء لنخلق من ورائها الرموز ونخبة المثقفين..!!