كنا لا نحظى بتقليعاته إلا كل عام عند اجتماع مؤتمر عربي، ولأن هذه المؤتمرات العربية طويلة ومغلقة فلم تكن تقليعاته تزيد بأكثر من دقائق لم نعطها الاهتمام، وكانت كلمة «مجنون» تكفي لهشّ صورته من عقولنا، ونمضي من دون أن يسأل أحد نفسه: من يعطي الحق للمجانين أن يحكموا الشعوب ويتمرغوا فيهم بجنونهم؟ لكن الحياة هكذا قضت على الشعوب «الغلابة». من إقامة في خيمة أمام مقر الأممالمتحدة في نيويورك إلى مشادة بينه وبين رئيس عربي، إلى ثياب مغرقة في المحلية يفصلها مصممون إيطاليون يفهمون كيف يلبسونه ثياباً فاخرة تظهره معتزاً بتراثه، إلا أن هذا لا يعادل ما جاء في فصول الثورة الليبية. لقد كففنا عن الاستماع إلى مطالب وتعابير ملايين الوجوه من الشعب الليبي لنستمع إليه هو. سحب النجومية منهم، ليصبح هو بطل الثورة درامياً. فليس من الضروري في الدراما أن يكون البطل خيّراً وطيباً. القذافي لديه قدرة على جذب الأضواء نحوه، سجن الكاميرات والمايكروفونات عنده، فلم نسمع الشعارات التي ألفها الشعب في الثورة، كما حدث في اليمن، ولا النكات التي ألفها الشعب كما لدى المصريين، بل صرنا نضحك بسبب القذافي أكثر مما نضحك في فيلم كوميدي، خصوصاً أن الأفلام العربية الأخيرة فقدت فكاهتها. ضحكنا عليه في لقائه مع ال «بي بي سي» والمذيعة تقول: إنها شاهدت الآلاف يتظاهرون ضده فيرد القذافي: إنها الكاعدة الكاعدة. تحولتْ مفردات خطابه إلى أغنية، ونسينا أنها قيلت في معرض تهديد الناس وقتلهم، صرنا نقول مثله: زنقة زنقة، وقد ذكرتني هذه المفردة من فرط ما استخدمت في المقالات والأغاني بأغنية (يالبرتقالة) نسيتموها طبعاً. هذه حال الدنيا. اليوم صارت توليفة (زنقة زنقة، دار دار) تستخدم حتى في بطاقات الأعراس لاختراع سبلٍ أكثرَ غرابةً ولفتاً للنظر. ترى كيف تحولت مفردات حربية، وحوادث قتل شعب وعنف وتشوّهات حكم إلى نكات وضحك وأغانٍ وبطاقات أفراح، لأنه القذافي. كيف لا نبكي بل نضحك، لأنه القذافي. لكن القذافي الذي يوشك على الرحيل، يستحق أن نقول له: باي باي قذافي سنفتقدك.