بعد الثورات الأخيرة التي شاهدناها في وطننا العربي ، أثبتت العولمة أنها سلاح ذو حدين . الأميركيون اعتقدوا أن العولمة ستفتح لهم بابا جديدا للهيمنة لا يمكن سده أو حتى مواربته . لكن السحر سرعان ما انقلب على الساحر .. وبدلا من أن تصبح العولمة أداة فاعلة الغرض منها تشويه هوية الشعوب وإلحاقها بنمط الحياة الأمريكي القائم على الاستهلاك والتحرر إلى حد الانحلال والبحث عن اللذة سريعة العطب ، ها هي العولمة تساهم وفي غفلة من صانعيها ، في ترسيخ ثقافة جديدة تقوم على مبادئ حقوق الإنسان وترتكز على الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها . هناك الآن جيل عربي وجيل عالم ثالثي ، يؤمن بثقافة ذات فضاء إنساني واسع ، دون أن يفقد معالم هويته كما كان مخططا له ، ودون أن ينظر إلى الولاياتالمتحدة باعتبارها مركز الكون وقبلة الحرية ورمز العدالة . لقد فشلت العولمة في إقناع أجيالنا وأجيال العالم الثالث بمبادئ ثقافة الرجل الأبيض (السوبرمان). وبدلا من ذلك أدت العولمة وعلى عكس المقصود تماما ، إلى ترسيخ القيم الإنسانية النبيلة للحضارة الغربية لدى القطاع الأوسع من شباب العالم الثالث . وبفضل العولمة ووسائلها ، باتت الأجيال الجديدة في عالمنا وفي العالم الثالث بالكامل ، مؤمنة إيمانا قطعيا بالشعارات التي استخدمها الغرب ولم تتجاوز حناجرهم ( حقوق الإنسان ، الحرية ، العدالة ، مناهضة التمييز بكافة أشكاله ) . هذا الشباب الذي اعتنق هذه الثقافة الإنسانية الرحبة ، كان ذكيا بالدرجة الكافية لكشف ألاعيب الأميركيين ، وكان قادرا على تمييز الازدواجية الفاضحة بين المواقف المعلنة لمؤسسات الحكم في الغرب ، وبين أدائهم على الأرض . ولذلك فقد اكتشف هذا الجيل المؤمن بالشعارات النبيلة التي صدرها الغرب ، بأن الغرب هو من يحول بينهم وبين الحصول على حقوقهم السليبة . لقد حاول الأميركيون استغلال العولمة لتسويق النموذج الأميركي في الحياة ، فأصبحت الفضائيات الترفيهية التي تسوق للنموذج الأميركي هي محور اهتمام قطاعات عريضة من الشباب العربي . لكن وفي لحظة واحدة ظهرت طبيعة الأثر السطحي لهذه العوامل على الشخصية القومية ، وبرزت أصالة هذه الأجيال جنبا إلى جنب مع ثقافتها الجديدة ذات التكوين الإنساني السامي . العولمة خدمت أميركا على السطح ، وضربتها في العمق.