الرجال العرب متهمون في الإعلام الغربي بانشغالاتهم الجسدية، وهذا التصور غير الدقيق ربما حركه أو زاد في تأكيده ما يدور من صراخ ومعارك كلامية حول قضايا المرأة في المجتمعات العربية، والحرص الزائد عليها وكأنها «ماكينة غواية» تمشي على رجلين، ولم ينتبه هذا الغرب الظالم إلى أن الرجال يبيعون للنساء أشياءهن الخاصة وفي أماكن عامة ومفتوحة، والحقيقة أن المسألة ليست امتيازا لثقافة دون غيرها، وحكاية حزام العفة والمفتاح معروفة في التراث الغربي، والإعلام أيضا شاهد أمين على ما أقول، فقد وجد لورنس أوتولي في قراءة تاريخية للموضوع (1998) أن المواد الصحافية «المحيونة» مادة مطلوبة في المجلات البريطانية، كما أكد براين ماكنير في إصدار نشره سنة 2002 على شهوانية المجتمع الإنجليزي واهتمامات الإنجليز لا تبتعد كثيرا عن الأمريكان ودليله، في ذلك الوقت، الزيادة في عدد الإصدارات الرجالية صاحبة الخط الأيروتكي، ومنها: مجلات «لويد» و«ناتس» و«زو»، وأضيف إليها «فياست» و«اتاتود». المفارقة أن أرباح هذه النوعية من المجلات كانت تتراجع باستمرار رغم زيادة إصداراتها، وحسب الإحصاءات المتوفرة، يوجد منها في بريطانيا 150 إصدارا، إذا ما استثنينا الصفحة الثالثة في صحيفة «الصن»، وآخر الصرعات البريطانية كانت بالتوجه إلى النساء بدل الرجال في مجلات «فور ويمن» و«بايت» و«لوديس»، ومن بين ما شجع على إصدارها مثلما عرفت وصول المقروئية النسائية لمجلة الأدب الفضائحي البريطانية «فورام» إلى 40 في المائة، ومعها إقبال البريطانيات في الثمانينيات على الملابس المثيرة، وظهور روايات في صيغ شهادات اعتراف إن جاز التعبير عن فانتازيا الرغبة عند المرأة، من بينها رواية نانسي فرايدي «حديقتي السرية 1998»، رواية جولي بورشيل «أمبيشن 1989»، ورواية شيرلي كونران «لايس 1982»، ويجوز أن نلحق بها بعض الأعمال الروائية للكاتبة والأديبة زينب حفني، و«حب في السعودية 2007» للصحافي والروائي إبراهيم بادي، ولاحظ مايك كارتر في مقالة علمية (1987) أن الاهتمام النسائي بجاذبية الرجال بدأ في إعلانات الثمانينيات المصورة مع ملاحظة أن قانون المطبوعات البريطاني يمنع نشر الصور الجارحة للذوق العام. وفي زيارة لأرشيف «عكاظ» قبل أيام، وقعت عيني على إعلان جريء نسبيا في عدد أصدرته الصحيفة سنة 1969، وشاهدي الزميل العزيز والشاعر العلم سعيد آل منصور، والثقافة الشعبية في بريطانيا رأت في هذا السلوك الاعلامي المتطرف فكا لاحتكار رجالي قديم، وخروجا على المسار الذي يصنف رغبات الجسد ك «مطلب تناسلي» كلاسيكي، بالتركيز على الجوانب الجمالية وقوالب الإمتاع والإثارة فيها، تماما كما هو الحال مع كتاب «تحفة العروس» العربي، وقد أختلف أو نختلف معهم. القضية بالمناسبة لم تمر دون مقاومة، والدليل أن وحدة الشؤون الاجتماعية البريطانية مثلا اعتبرت أن ما تنشره المجلات النسائية المذكورة مؤشر على التدهور الأخلاقي في المجتمع البريطاني، واتهمت جهات بريطانية أخرى مجلات «كوزموبولتين» و«كامبني» و«إيلي» بالتكريس ل «حيونة المرأة»، على حساب مسؤولياتها الاجتماعية ووظائفها الأخرى، وهناك رأي غريب أو «مهجور» مثلما يقولون يصر على أن المجلات توفر جانبا تثقيفيا ضروريا للمرأة، أكثر من تحريكه للخيال المنحرف، أو دخوله في دائرة الفعل، وأن الدفاع الأخلاقي غير مقنع، والثابت أن بعض الكتابات، وليس كلها طبعا، يعجب المرأة ويناقش مشاكلها، وكتبت كارولين سوليفان، في صحيفة «التايم» يوم 15 أبريل 1992، بأن المرأة الغربية، ومعها مجموعة من العربيات، لا تقبل بأقل من رؤية غير شرعية للرجل، وأنها تعتبر غير ذلك احتيالا، وشراء هذه النوعية من المجلات النسائية أو قيام دور النشر بإصدارها له تفسيرات كثيرة تتجاوز الرغبة المجردة في المتعة والتسلية، من بينها المساواة في الحقوق بين الجنسين، إلا أن ديفيد بيترسون وبولا دريسيل (1982) لهما رأي يستحق التوقف، فقد اعتبرا أن التعلق بحبل المساواة يضمن حجبا مدروسا لواقع النشر غير المتحفظ، وأن الدندنة على وتر الرغبات تخفي الأهداف الفعلية من وراء هذه الإصدارات، وأنها لا تخرج في مجملها عن الربح المادي، والنتيجة كما أقرأها في رأي ديفيد وبولا تفترض أن النساء يتعرضن لعملية استغفال منظم يخدم مصالح رأس المال، ويعزز الاستغلال التجاري الرخيص لمعاناة المرأة، والرأي ليس اجتهادا شخصيا، وإنما يقع في مركز خطاب المنظرين والمؤيدين للمساواة. في النهاية، الفكرة المتفق عليها أن المجلات الفضائحية الموجهة للمرأة تفشل غالبا، والأدلة الجاهزة: إيقاف مجلة «بايت» بعد 12 شهرا من صدورها، وتوقف ميزانية مجلة «فور ويمن» عند 2500 باوند للإصدار الواحد، وفريق تحرير مكون من ثلاثة أشخاص، بعد سلسة من الإخفاقات والتنازلات، والثانية تعتبر أجرأ مجلة نسائية في بريطانيا إن لم يكن في العالم، ولا أعرف ما هو رأي الشابات والنساء العربيات، خصوصا أن الكتابات والكلمات والبرامج المتجاوزة صارت وجبة دسمة ومطلوبة في الإعلام العربي ودور النشر العربية، ما لم أقل بأنها جزء راسخ في كتب التراث، وركن أساسي في الصورة الذهنية عن العرب، والوضع بدون شك لا يختلف في معظم الدول الغربية.