يوسف الكويليت - الرياض لسعودية في قلب جزيرة الذهب وسط نهر النيل في القاهرة، كنيسة قبطية بجوار مسجد ويحرسها مسلم اسمه محمد، وفي القاهرة القديمة لا تزال لافتات المحال التجارية «تيدروس، وبطرس» وغيرهما، بجانب دكاكين عمر وحسين، وأحمد. وكل تواريخ مصر لم تشهد خلافاً يصل إلى العنف بين المسلمين والأقباط إلا خلال الأربعين عاماً الماضية، وروايات المسنين من الطرفين المسلم والمسيحي يقولون إنهم لا يعرفون دين هذا أو ذاك إلا بالمواسم والأعياد والزواجات، وما عدا ذلك فهم يتواصلون ويأكلون بجوار بعضهم، ولم يكن تطغى عليهم أي مسحة غير عادية تنفر طرفاً من آخر.. تسييس الأديان هو الذي أدخل المنطقة بؤر الصراع، ولم تقتصر المسألة على الديانتين السماويتين، بل تقاتل وثم تصفية عناصر إسلامية بيد مسلمين، وقتْل المصلين في مساجدهم وحسينياتهم بينما الإله واحد والنبي واحد والخلاف على الفروع لا يلغي النصوص.. جرائم القتل وتفجير الكنائس لمسيحيي العراق ومصر لا تستند إلى مراجع دينية بدليل أن من استنكر وأدان واعتبر ما يجري جريمة بالحق الإنساني قبل الديني هم علماء بارزون ومن يبررون أو ينسبون هذه الأفعال ويعزونها للشبح الذي يساكننا ويعيش بأدمغتنا، ويطاردنا في صحونا ومنامنا، مما اصطلحنا عليه بالمتآمر والمتخفي بثيابنا وتحت شعر رؤوسنا قد نمنحه جزءا من الجريمة، لكن هل هذا هو السبب المباشر، فكل دولة لها أصدقاء وأعداء والأخيرون يتصرفون بهوى خدمة غاياتهم، لكن كيف يصلون للأدوات والعملاء، وبأي سبب يحصلون على تلك الخدمات الدموية التي تتجه إلى خلق انقسامات بين أصحاب المدينة والحي الواحد، لو لم يكن المرض موجودا بيننا.. سياسة الانتقام خلاصة فكر معتوه مناقض لنواميس الحياة، واستهداف مصر لم يأت عبثاً لأنها العمق الأكبر لهذه الأمة المأزومة، ولأنها النموذج للتعايش قبل أن تدخل على خط الإرهاب من خلال عملاء الداخل أو الخارج، بل هي المجتمع الوحيد الذي لا تطغى فيه القومية والقبلية والطائفية بل لعلها المعدة الهائلة التي مصّرت الغزاة والفاتحين، واختلطت فيها الدماء والأجناس والحضارات بنموذج نادر في كل الوطن العربي بالتعايش.. هل جريمة أي إنسان أن يكون مسلماً سنياً، شيعياً، قبطياً، أو كاثوليكياً بدوياً ينتمي لقبيلة ما أو حضرياً، ليقتل على دينه أو هويته أو أرومته؟ إذا كان هذا الحكم يطلقه من يعممون القتل بزعم تطهير العالم الإسلامي، فأول الأسئلة ما هي رتبهم الدينية، وما هو تأهيلهم الذاتي، وعلى أي مستند ديني أو عقائدي يقنعون الأكثرية الإسلامية بهذا الحق الذي يخول لهم الوصول إلى رقاب الآمنين بفتاوى فقه الإرهاب؟.. ما يجري على الأرض الإسلامية مؤامرة تُحاك من داخلنا وبوسائلنا ونقودنا ولا نحتاج إلى أدلّة، فكل من تورط بهذا العمل وأدرك عقله، يشهد بعبثية هذا الفعل وإدانته، وسواء جاءت الجريمة على مسلم أو مسيحي، أو أي طائفة أو أتباع أديان وملل أخرى، فالحكم ليس للشارع، بل للشرع والقوانين؛ لأن كرامة الإنسان فوق كل الاعتبارات..