أغلب الظن, أن ما ورد علي لسان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من أن حادث الاسكندرية الارهابي ليلة رأس السنة الميلادية هو جزء من عملية تطهير ديني لاستئصال الأخوة الأقباط من المجتمع المصري ومن الشرق الأوسط. هو خطأ سببه استباق نتيجة التحقيقات الجارية. فالرئيس ساركوزي, قال شيئا لم يقله أحد مطلقا, ولا حتي بابا الفاتيكان علي الرغم من خطورة ما قاله. (1) مايثير التساؤل, أن ساركوزي ذاته عندما طرح قضية التطهير الديني وهي حكاية لا وجود لها في المجتمع المصري أبدا, مهما كانت التوترات والمشاحنات والمشاكل القائمة بين المسيحيين والمسلمين, فإنه لم يغب عن باله أن يذكر أن الارهاب الأصولي للمتطرفين المسلمين يتسبب في قتل مسلمين أيضا, وهذا هو الحق. فلو كان الرئيس الفرنسي قد تأمل هذه العبارة جيدا, فلعله كان قد استخلص منها النتيجة المنطقية التي تقول انه يتحدث عن تطهير ديني لا وجود له وأن ما يحدث هو ارهاب عادي. وعموما ووفقا لكل التقارير المتوافرة فإن الجريمة التي وقعت عند كنيسة القديسين بالإسكندرية بها كل صفات العمل الارهابي, فقد تمت بشكل عشوائي في الطريق العام واستهدفت الخارجين من قداس عيد رأس السنة الميلادية, أو من قد يتصادف وجودهم أمام باب الكنيسة في تلك اللحظة, لاحداث أكبر عدد ممكن من الخسائر. ومن يستطيع أن يقول إن في مصر استهدافا مقصودا لكل الأقباط حتي تتم تصفيتهم؟ فأقرب الحوادث إلي جريمة الاسكندرية, وهي جريمة نجع حمادي في الصعيد, كانت أيضا عملية إطلاق نار في قلب الليل تحت ستار الظلام ضد الخارجين من الكنيسة. وفي هاتين الجريمتين, وسواهما من الجرائم ضد الأقباط, لاتتوافر أركان وجود جريمة تطهير ديني؟.. قد يكون هناك حض علي الكراهية أو تمييز أو عنصرية أو ثأر ولكن تطهير فهذا شئ مستبعد. هناك لاشك استهداف واضح للأقباط, لكن المقصود من هذا هو الضرب علي وتر شديد الحساسية في المجتمع المصري بقصد إحداث أقصي رد فعل ممكن لإثارة أقصي اهتمام ممكن. (2) في الحالات التي تقع فيها جريمة التطهير الديني, أو التطهير العرقي, فإن أركان هذه الجريمة غير متوافرة في مصر. فالمسيحيون المصريون, لايتكتلون أو يتجمعون في مناطق خالصة ومنعزلة عن المسلمين. بل ان الكل يقيم في كل المناطق والأحياء والقري والمدن بلا تمييز وإذن فإن ضرب أو استهداف القبطي لايمكن معه استبعاد احتمال سقوط مسلمين والعكس صحيح. كذلك, فإنه في مثل تلك الأحوال, كحالة البوسنة والهرسك أو جنوب السودان, فإن المسيحيين في مصر لايسعون لإقامة كيان سياسي منفصل لهم عن سائر البلد. إذ أن توزيعهم الجغرافي والسكاني يستحيل معه تحقيق ذلك, إلي جانب أنهم لايفكرون أصلا في مثل هذا الأمر. أضف إلي كل هذا, أن رد فعل الأغلبية الاسلامية علي الجريمة النكراء, كان واضحا في رفضها, فقد أيد المسلمون حق المسيحيين في الغضب, وفي التظاهر وانضموا لهم في مظاهراتهم وفي رفض ما جري, وفي المطالبة بالتحقيق, وبانزال أقصي عقوبة ممكنة بالمجرمين. ويستوي في ذلك, رجل الشارع العادي, أو المثقف الكبير, ورجل السلطة البارز القيادي, والانسان العادي المغلوب علي أمره. أما حكاية, أن الأقباط يعانون من نقص في الحريات السياسية, وعدم التمثيل الكافي في المجالس النيابية, وغيابهم عن العملية الحقيقية لصناعة القرار, وعدم وجودهم في المناصب القيادية في الدولة.. قضية تطهير ديني, أو سفك دم لأبرياء من الأطفال والنساء والرجال المسالمين الذين تجمعوا في بيت من بيوت الله لاستقبال العام الجديد. بل هي محاولة خبيثة لضرب المجتمع في مقتل والرد علي هذا, يجب أن يتجاوز مجرد التحقيقات والقبض علي الجناة وتقديمهم للعدالة.. يحتاج المجتمع إلي اجراءات سياسية وادارية وثقافية تعيد النظر في أمور كثيرة ولعل أهمها كلها, تضمين مناهج التعليم منذ المرحلة الابتدائية نصوصا من القرآن والإنجيل والعهد القديم لينشأ الناس جميعا وهم يعلمون معني الأديان وكيف نتعايش معا ويتعايش أتباعها في سلام ووئام. هذا الإصلاح السياسي الجذري هو السبيل لسد الباب نهائيا أمام محاولات شريرة لتفكيك المجتمع المصري. نقلا عن الاهرام المصرية