سئل رئيس تحرير صحيفة بريطانية: ما الجانب المهم في تطوير العمل الصحافي؟ فأجاب: «مقالات الرأي، إذا كتبت بشكل ممتاز، وغير صادمة للأفكار الرائجة.. إنها تساعد القارئ على فهم قضاياه». وهذا من واقع الدراسات الإعلامية التي اطلعت عليها يجدون في مقالات الرأي ضالتهم، فضلا عن أن أحد خبراء الإعلام وصفها بأنها «أكثر أهمية في الحرب من طلقات الرصاص» بالإضافة إلى أن بعض الدراسات أثبتت، أن معظم القراء يبحثون عادة عن رأي يفتح لهم سبل آفاق ما بعده، فيه شرح وتوضيح لقضية من قضاياهم، أو علاج لمشكلة من مشكلاتهم، وهناك فئة من القراء تقبل الرأي، وأخرى ترفضه، وفي كلتا الحالتين فمقالات الرأي يهتم بها القراء، وبخاصة إذا عالجت قضايا حيوية، بأسلوب يعين المتلقين على تحديد مواقفهم إزاءها، ومن ثم فإن أي وسيلة إعلامية تحجب الرأي، إنما تفرط في مادة جاذبة، تساعد القراء على تنمية آرائهم، وتحميهم من الآراء المضادة، وغياب الرأي قد يفسر على أنه تكبيل له، وعدم تكيف الوسيلة الإعلامية معه، وعدم ترسيخ القيم الاجتماعية المرغوبة. هناك اتفاق على أهمية مقالات الرأي في الصحيفة، وبرامج الرأي في الإذاعة والتلفاز، وهي عنصر أساس وجوهري، في دينامية أي وسيلة إعلامية، بل في وجودها ذاته، ومن خلالها يتغلب المجتمع على مصاعبه الداخلية والخارجية، وأزماته الاقتصادية، والثقافية، والمتلقي لوسائل الإعلام، يتوخى عادة الاطلاع على مقالات الرأي، لمعرفة اتجاهات كتابها، ومن ثم فهي سلعة ليست استهلاكية، والحصول عليها نابع من حاجة المتلقي لها، بوصفها غالبا ما تتجه لرصد الواقع، الذي يتجسم وضع الناس، أمام أوان مملوءة طعاما، ليختاروا منها ما خف وزنه، وقَل ثمنه، ويستخلص منه: الموضوعية والحياد، والتعامل معه بوصفه ظاهرة تتكرر. مقالات الرأي هي رد فعل، ضد أو مع موقف أو اتجاه معين، والأسباب الموضوعية الثابتة لها، تتخذ مظهرا جماعيا جماهيريا، ينتج المزيد من ردود الأفعال العقلانية، لمواجهة الأفكار السلبية، وتعزيز الأفكار الإيجابية.. واستيعاب المناخ بضم الميم الفكري العقلاني، وهذا ما ينبغي أن يتوافر في أي وسيلة إعلامية، فلولا مقالات الرأي البعيدة عن الدغمائية، لما صنعت العقول الراكدة، وليس ثمة شك أن لغة الرأي الناضج، هي لغة الانفتاح على العصر، وتراث المجتمع، وثقافته الوطنية، ومع غياب الرأي العاقل المتزن، يبقى الباب مفتوحا على مصراعيه للسلوكيات الانحرافية وأطروحاتها.