سُئل رئيسُ تحريرِ صحيفةٍ بريطانيةٍ: ما الجانبُ المُهِمُّ في تطوير العمل الصُّحُفِي ؟ فأجاب: " مقالات الرأي، إذا كُتبتْ بشكل ممتاز، وغيرِ صادمةٍ للأفكارِ الرائِجة.. إنها تساعدُ القارئ على فَهْم قضاياه". وقد ألزمتُ نفسي بكتابة مقال الرأي بين (300) و (350) كلمة، أحرص على أن لا تكون من بينها " نحن" و" نا" فَمَنْ يكتبُ رأيَه الشخصي، ويعَبِّر عنه، ليس مِنْ حقه أنْ يقول:" نحن"!! و" نا"!! وليتَ رؤساءَ تحرير الصّحف يُخَلِّصُون القُرّاء من تبعاتهما !! وانظروا فضلا مقالات كل صفحات الرأي في الصحف السعودية، واحْصُوا كم " نحن" و" نا". أزعمُ أنه لا وقت لقارئ اليوم ليقرأ مقالا مُطَوّلاً، له عادةً قراء غيرُ متجانسين، فيهم المثقف ثقافة عالية، وهذا يبحثُ عادةً عن مقال في مجلة متخصصة، وفيهم القارئ العادي الذي يبحثُ في صحيفة سيّارة عن فكرة، أو قضية، أو رأي، يعلق عليه، أو يبدي إزاءه رأياً رافضاً، أو مؤيداً، فضلاً عن أنّ هذا القارئ، تحيط به الآن إحاطةَ السِّوارِ بالمِعْصَم، وسائل إعلام متعددة، ولذلك لا يبحث عن المقالات المُطَوّلة، وأعرفُ كُثْرَاً من القراء يضيقون ذرعاً بهذا النمط من المقالات. ما جدوى المقال القصير ؟ يجعل الكاتب يختصر ما يقول، التوسُّع هنا غيرُ مطلوب، و" خَيْرُ الكلام ما قَلَّ وَدَلَّ" هو المطلوب، لا يُشَرِّق الكاتبُ ولا يُغَرّب، وهو ملتزمٌ في هذه الحالة بِحُرِّيّة الذَّهَابِ والإِيَاب، ولأنّ للكتابةِ القصيرة سحرَها، وسرعةَ هضْمها، عليها يتوكأ أيُّ قارئ، ومنها الإبداع الذي يقوم عليه التّحَضُّر، فضلا عن حرية المشاركة في الرأي. لعل أبرز مشكلات المقالات الطويلة، في صحيفة يومية، أنها تنتهك حق الإنسان في القراءة: المختصَرَة، المفيدة، السريعة، وهي مع ذلك لا تَحِدُّ من حُرِّية الرأي، ولها حدود لا تتخطاها، وإلا تعرّض المقال للصدام مع القارئ، وهنا يخسر الطرفان (متلقي المقال وكاتبه) فلا المتلقي استقبَلَ الرأيَ الفردي بصيغةٍ مُخْتَصَرة، ولا كاتبَ الرأي نجح في إيصال رأيه من أقرب طريق. رُوَيْدُكُم يا كُتّاب وكاتبات " نحن" و"نا" فالقضايا التي تعالَجُونها في مقال رأي فردي، أبسط مما تَرَوْن، ودعوا فضلاً القارئ يُدَبِّر حياتَه، ولا تنتهكوا حقوقه بكتابة مقالات مُطَوّلة، واحصُوا فضلا كلمات مقالي هذا، فإنْ وجدتموها أكثرَ من (350) كلمة، فالقَوْا بهِ على قارعة أقرب طريق. [email protected]