نتخيل أحيانا أن سكوتنا عن الأشياء أو الانتقادات سيؤدي في النهاية إلى نسيان الناس لها، أو إسدال الستار عليها كما هي. الوضع اختلف الآن، ازداد الوعي الثقافي والمعرفي، تعددت وسائل الإعلام، تعددت وقنوات الاتصال بين الأفراد والجماعات كما وكيفا. في النهاية لا مجال لدفن الرأس في الرمل والاعتقاد أن الآخرين لا يرون. في أعقاب مشاركتي في (ندوة الأخطاء الطبية وآلية التعامل معها)، وتقديمي ورقة عمل في تلك الندوة انبرى لي بعض الزملاء من الوسط الصحافي (خالد السليمان، داود الشريان، وخالد الفرم)، وكتبوا مقالات انتقدوا فيها ما قدمت من طروحات في ورقة وزارة الثقافة والإعلام، وتم إظهاري بمظهر من يقف ضد الصحافة والصحافيين.. ولهؤلاء الزملاء أقول: وإن كنتم أطول مني باعا في الصحافة، حيث سبقتموني بسنوات طويلة، ولكن هذا لا يعني أنني بعيد عن الوسط الإعلامي فسجل خدماتي فيه يمتد لأكثر من 37 عاما قضيتها متنقلا بين الإعلام المسموع والمرئي والمقروء. *** ذكر الزميل خالد السليمان في مقالته بعنوان (ندوة الأخطاء الطبية أم الصحفية) «إن كتاب الصحافة كانوا هدفا للهجوم في الندوة، وللأسف أن ظهرهم كان مكشوفا لتلقي الضربات وربما الطعنات»، وسألني عن نماذج المقالات التي استعرضتها في الورقة التي قدمتها.. وهل هي تمثل الإعلام أم آراء كتابها.. ويقول إنني أدرك الفرق بين مسؤولية الرأي، ومسؤولية الخبر. عزيزي خالد: أنت تعلم أنني لا أوجه ضربات ولا طعنات لظهور مكشوفة، وإنما أعمد إلى المواجهة وسماع الرأي، والرأي الآخر.. وأنت تعلم أيضا أن المقالات أكبر أثرا في جمهور المتلقين، وهي التي تعمل على تغيير المواقف.. كيف لا وكتاب الأعمدة في الغالب هم من صفوة رجال الفكر والمعرفة، وجمهور القراء يسمع ويستجيب لهم إيمانا منه بأن هذا الكاتب يملك من القدرات والمعرفة ما يتيح له إبداء الرأي الصواب تجاه أي موضوع.. ومن هنا فلا يمكن مقارنته بمحرر أو مراسل قد تكون الظروف ساقته للحصول على معلومات خبرية نشرها دون تثبت وسابق خبرة.. حتى أن بعضهم لا يزال يعمل بنظام القطعة. هناك في الإعلام الذي درسناه ما يسمى مصداقية المصدر (source (credibility وهذا المصدر كلما كان مؤثرا وله صيت وسمعة في الوسط الذي يعمل فيه كان أدعى للتأثر به والقناعة بما يقول، وهذا ينطبق على كاتبي المقالين اللذين استشهدت بهما، وأعتقد أنه لا يصعب عليك معرفتهما مستعينا بالزميل (Google). *** الزميل داود الشريان في مقاله في صحيفة الحياة بعنوان (خطف الإعلام الرسمي) انتحى منحى آخر متهما وزارة الثقافة والإعلام بالتعتيم على الحقيقة، وإنها لا تزال تعتقد بأن النقد هو انتقاص من قدرات البلاد، وحط من هيبة الحكومة، وأن ما قلته في مداخلتي يتناقض تماما مع بيان مجلس الوزراء الذي طالب، برئاسة الملك عبد الله، بالعمل على ترسيخ مبدأ الشفافية والمساءلة، ودعم مؤسسات المجتمع المدني في تطوير أنشطتها الإنمائية. عزيزي داود: أعتقد أنك انتقيت في مقالتك عبارات من ورقة العمل التي قدمتها خلال الندوة بما يخدم وجهة نظرك، وتجاهلت ما قلته في الورقة من أن (وزارة الثقافة والإعلام لا ترغب وليس من سياستها مصادرة الحريات في الخبر أو المقالة أو التقرير) قبل أن أقول (ولكنها في الوقت نفسه لا يمكن أن تدع الحبل على الغارب لكل من أراد أن يسيء أو ينتقص من قدرات هذا البلد سواء في مجال الطب أو غيره دون وجه حق). فهل تريد للوزارة أن تدع الحبل على الغارب وتتخلى عن دورها في الحفاظ على خطاب إعلامي متوازن؟. أما ما يتعلق بالشفافية، فلعلك أيضا لم تقرأ ما ذكرته في ورقتي من أن (وزارة الثقافة والإعلام لا تقف أمام الشفافية في الطرح، وتحديد ومحاسبة المقصر جراء ما فعل إذا ثبت تقصيره، وهي تدرك تماما أهمية تناول وسائل الإعلام قضايا تمس حياة الإنسان باعتبار هذه الوسائل مرآة تعكس واقع المجتمع ومتطلباته. والوزارة في الوقت نفسه تتمنى أن تتاح الفرصة لكل شخص أو مؤسسة تعرضت للنقد بسبب خطأ طبي لإيضاح وجهة نظره وما يرغب في قوله ردا على ما قيل أو كتب فلربما خفيت الحقيقة، أو حاول الشاكي إخفاءها رغبة في الإثارة والتهويل واستمالة الآخرين للتعاطف معه والقناعة بشكواه). هل ترى عزيزي داود في هذا الكلام أي وقوف لوزارة الثقافة والإعلام ضد الشفافية؟ إن الذي أراه هو تجسيد للشفافية التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله. *** الزميل خالد الفرم في مقالته بعنوان (جدليات صحافية على طاولة الأخطاء الطبية) وفي إطار حديثه عن ورقة العمل التي قدمتها، ركز على الفروق بين مقالات الرأي والمادة الخبرية، وهو بذلك يعزف على الوتر الذي عزف عليه الزميل خالد السليمان. هنا لا أريد أن أكرر ما قلته في بداية مقالتي من تأثير وتأثر الجمهور بما يقوله صاحب الرأي المميز، ولكن أريد أن أوضح أنه لا توجد حرية مطلقة في أية وسيلة إعلامية، والرأي متى ما كان صاحبه متجنيا أو مجانبا للحقيقة، فلا بد لأحد أن يفهمه ذلك، كما أن الصحافي صاحب الخبر المقدس (كما يقول خالد) لا اعتراض لنا عليه، إلا إذا أورد أخبارا مغلوطة أو أصدر أحكاما مسبقة تجاه أي حادثة دون التثبت وقبل أن تقول الجهة المختصة رأيها. أخيرا لا بد من القول إن (ندوة الأخطاء الطبية وآليات التعامل معها) لم تخرج بتوصيات لتبرئة وزارة الصحة من كل خطأ طبي، ولكن يكفي أنها حركت المياه الراكدة، وجعلت باب الحوار والنقاش مفتوحا حول موضوعها، وكانت فرصة لجميع المعنيين لتبادل وجهات النظر ومعرفة ما يدور في الأفق، وكيف يكون التعامل الصحيح مع الخطأ الطبي وأهمية تلافيه قدر الإمكان لما فيه الصالح العام. ولو حالف التوفيق وزارة الصحة وساعدتها الظروف في تحقيق ما خرجت به الندوة من توصيات لرأينا نتائج إيجابية في مسيرة بلادنا نحو خدمات صحية متكاملة. [email protected]