طلال بن حسن آل الشيخ - الحياة اللندنية في أجواء هادئة، في مزرعة على مقربة من الرياض، استفزيت مضيفي، وهو أحد دعاة «الوسطية»، وهو أكاديمي سعودي يشار إليه بالبنان، وقلت له إن دعاة الوسطية ضاعوا، فلا هم محسوبون على الإسلاميين، وإن كنا جميعاً كذلك، ولا على الليبراليين والمنفتحين. دعاة «الوسطية» ليس لهم صوت مسموع، ولا قوة، ولا يوجد من يتبناهم ويدعمهم إلا في الخطب، ومن خلال الشعارات. دعاة «الوسطية» يستغلونه كشعار، يخدم في مناحٍ إعلامية واجتماعية متعددة، دعاة الوسطية في مجتمعنا حبر على ورق. أين دورهم الفاعل والمؤثر مع القضايا الحساسة التي يواجهها مجتمعنا باستمرار؟ لماذا يخافون أن تعلوا أصواتهم؟ ومِنْ مَنْ؟ العالم يتقدم ويزداد حضارةً وطموحاً، ونحن لازلنا بين صراع تيارين، متشدد، ودعاة انفتاح، أو ليبرالية، أو سمها ما شئت، فكلها أسماء من دون مضمون. العالم من حولنا ازداد طموحاً وثقافة، وحضوراً دولياً، ونحن لا زلنا ندور في فلك التيارات، بينما يزداد الفساد ويستشري وينهش في صلب مجتمعنا. قلت له قارن إن شئت بين الفرص التي يحصل عليها الشباب في الدول من حولنا وبين الفرص التي يحصل عليها شبابنا، أعلم أنهم ضحية طمع وقصر نظر غيرهم، لكن هذا هو الواقع. انغمسنا في التيارات والأفكار والتوجيهات والتصنيفات، وأنشأنا جيلاً لا يحمل من الثقافة والاطلاع إلا القليل، ومن الطموح والمعرفة إلا الأقل، شباب يجيد التصنيف والانتماء لكنه ضعيف في أفكاره. الكل تغيرت أولوياته، ونحن لا نزال ندور في فلك قيادة المرأة، هل هو حلال أم حرام، وفك النص الشرعي. للأسف حمى الانتماءات تنهش مجتمعنا، وللأسف أيضاً فإن كل من يعلن انتماءه لتيار محدد يتخلى عن قناعاته الشخصية في بعض الأمور تحت وطأة مظلة التيار الذي ينتمي له، فتجده يسبح مع السابحين من دون قدرة على أن يجدف عكس التيار. كثير من المنتمين للتيار المتشدد أو العلماني لديهم قناعات خاصة في بعض القضايا ولكنها قناعات غير معلنة، فهناك متشددون لا يرون بأساً في قيادة المرأة، وهناك علمانيون ليس لديهم الاستعداد لسفر نسائهم من دون محرم، لكنها كلها تتوارى خلف مظلة التيار. قلت له إنني سئمت من التيارات، وإنني أتمنى أن نفكر في ما هو أهم من هذه الانتماءات في تطوير مجتمعنا ومحاربة الفساد الذي ينهشنا نهشاً. عدل محدثي «الوسطي» من جلسته وتنهد قائلاً: تصدق حتى في السرقة ليس لدينا وسطية، ف «المتطرفون» في السرقة لا يرضون إلا بملايين الملايين، ثم ابتسم واقترح: لماذا لا ننادي بالوسطية في السرقة لأنها أقرب تيار لمجتمعنا؟ بعد اقتراح «الوسطية» في السرقة داهمني صديق الأكاديمي باقتراح آخر يحل أزمة «قيادة المرأة»، سأحدثكم عنه الأسبوع المقبل.