ياسر سعيد حارب * نقلاً عن "البيان" الإماراتية كيف سيبدو العالم لو أغلقت شركة مايكروسوفت؟ سألت نفسي هذا السؤال كثيراً، وفي كل مرة أصل إلى نفس الإجابة: سيصاب العالم بأزمة اقتصادية أخرى. فمعظم الناس اليوم يستخدمون برنامج (آوت لووك) لإدارة بريدهم الإلكتروني وأجندة أعمالهم وعناوين الذين يتعاملون معهم، ونادراً ما يخلو جهاز كمبيوتر من برنامج (أوفيس)، وعلى الرغم من منافسة شركة آبل الشرسة لمايكروسوفت، إلا أن منصة ويندوز تبقى هي الأكثر انتشاراً في العالم بنسبة تصل إلى 90%. لو أغلقت مايكروسوفت فستغلق معها شركات الكمبيوترات العملاقة مثل ديل، وآيسر، وإتش بي، وغيرها، وسوف تشلّ حركة البنوك وستتوقف المطابع وستتعطل الشركات بمختلف أنواعها وسترتبك المطارات، وسيدخل العالم في فوضى عارمة. لقد صدق الكاتب الأميركي توماس فريدمان عندما قال في كتابه (العالم مسطح) بأن الحقبة القادمة ستكون مِلْكاً للشركات العالمية وليست للدول، وسيتسطح العالم إلى درجة أن تأثير هذه الشركات سيكون أكبر من تأثير بعض الدول. ولكن يبدو أن العالم أصبح أكثر تسطّحاً من نظرية فريدمان، فلقد أصبح مدراء هذه الشركات أكثر تأثيراً من رؤساء بعض الدول أيضاً. ابحث عن مارك زوكريبرج، صاحب موقع فيسبوك، وستجد بأنه قد ولد عام 1984 أي أنه لم يتجاوز السابعة والعشرين بعد، ولكنه يحكم ثالث أكبر دولة في العالم، حيث يبلغ عدد مشتركي فيسبوك أكثر من نصف مليار إنسان. ليس هذا فقط هو الغريب، ولكن الأغرب أن مارك الذي يبدو في ظهوره الإعلامي مراهقاً لم يختبر الحياة بعد، لا يعرف كيف يضع ربطة عنق، ولذلك فإنه يظهر في المناسبات الرسمية بجينز مهترئ وقميص يشبه قمصان طلبة المدارس، ودون أن يسرّح شعره أيضاً. شاهدته في مقابلة تلفزيونية بأحد المؤتمرات، وقبل أن يصعد إلى المنصة قدّمه مدير الجلسة كالتالي: «هذا هو مارك، كان في السابق يلبس الصندل، والآن يلبس حذاء تِنِس». يبدو مارك صعلوكاً حقيقياً، فهو لا ينحدر من طبقة نبلاء ولا يعرف حتى ماذا تعني تلك الكلمة على ما يبدو، ولا شأن له بقواعد الاستثمار وكيفية التعامل مع وسائل الإعلام، حيث يتصرف كيفما يشاء ودون أن تسبب له تلك الصعلكة أي إحراج. إن الصعلوك في اللغة: هو الفقير الذي لا مال له. أما الصعلكة التي أعنيها هنا فهي اللامبالاة برأي الآخرين، وعدم الاكتراث بالمعايير التي يتسربل بها الناس في المناسبات العامة، كاللبس والشكل وطريقة الحديث. صعلوكان آخران يسهمان في إدارة العالم، هما لاري وسيرجي، مؤسسا موقع غوغل. شابان درسا في جامعة ستانفورد وجمعهما حلم واحد وهو أن يجعلا المعلومات في متناول الجميع وبطريقة منظمة. حاول أن تجد صورة لأحدهما وهو يرتدي ربطة عنق ولن تجد إلا صوراً نادرة، حتى عندما تحدث لاري أمام البرلمان الأوروبي قبل عام، أبى إلا أن يفعل ذلك دون ربطة عنق. شاهدت مقابلة لسيرجي بعد أن أصبح مليارديراً وقد سألته المذيعة إن كان يقود سيارة (جاغوار) فقال لها إنه يقود سيارة يابانية، ولم يتجشّأ عناء إخبارها عن نوعها. لا يحمل هذان الشابان، مثل باقي الصعاليك الجدد، غير قناعات ومبادئ إنسانية ومهارات عالية، ولا شأن لهما بالخطط الاستراتيجية والنظريات الإدارية الجديدة، شأنهما في ذلك شأن أندي روبن، مخترع برنامج الهاتف الجديد (آندرويد) الذي طرحته غوغل في الأسواق مؤخراً، حيث قال في حديث مع مجلة نيوزويك بأنه لم تكن له رؤية استراتيجية أو أي شيء من هذا القبيل عندما اخترع البرنامج المؤلف من 11 مليون سطر برمجي، وكل ما كان يريد فعله هو وزملاؤه أن يخترعوا أكثر هاتف روعة على الإطلاق. يعد آندرويد أحد أكثر الهواتف انتشاراً حالياً، حيث يباع منه 250 ألف جهاز كل يوم، وتقول غوغل بأنها ستحدث به قريباً نقلة نوعية في عالم الهواتف المحمولة، وهي مصممة على استقطاب مليار مشترك في السنوات الخمس القادمة، وبذلك سيصبح أندي في مكانة الرئيس الصيني أو الهندي. إن كل هؤلاء المؤثرون في حياتنا بشدّة، هم في حقيقتهم أُناس بسطاء، لا يحلمون بتغيير العالم إلى الأفضل، بل يطمحون إلى تقديم شيء ما إلى البشرية، ينأون بأنفسهم عن أروقة السياسة، وعن متابعة أخبار التفجيرات أو ملاحقة نتائج الاقتراعات، وكل همهم هو كيف يطورون منتجاتهم باستمرار. لقد تحول هؤلاء الصعاليك إلى قادة العالم الحقيقي، فهم يسيطرون على عقول وقلوب مليارات من البشر، بعكس رؤساء (الدول العظمى) الذين أصبحوا يعيشون في عزلة عن الشعوب، ولم يعودوا أولئك المنقذين والمنظرين كما كان أسلافهم يوماً. قرأتُ مقالاً يقول بأن عدد الذين تابعوا ستيف جوبز،رئيس آبل، أثناء إطلاقه جهاز آي باد، كان أكثر من عدد الذين تابعوا كلمة أوباما حول إعلان موعد انسحاب القوات الأميركية في العراق. لم تعد الشعوب تتأثر كثيراً باجتماعات الناتو، ولم تعد تأبه بقرارات الأممالمتحدة أو بتصريحات ميليباند أو ميركل، بل إن تأثرها باليوتيوب والفيسبوك والآي فون وغوغل هو أكثر عمقاً من أي شيء آخر، فالدور الذي تلعبه هذه الشركات والمنتجات في حياتنا أصبح أكثر فاعلية وحيوية من الدور الذي تلعبه دولنا في بعض الأحيان. إن الصعاليك الذين يحكمون عالم اليوم يساهمون بصورة كبيرة في تشكيل الرأي العام العالمي، وأصبح بعضهم، مثل رئيس غوغل على سبيل المثال، يمنح مصداقية لدولة ما أو يحجبها عنها، كما حصل عندما مُنِعَت خدمات غوغل في الصين، وتحول هؤلاء الصعاليك إلى سادة يلجأ إليهم بعض قادة العالم والسياسيين أثناء حملاتهم الانتخابية لكي يخطبوا ودهم وليحصلوا على دعمهم. إن التاريخ القادم سيدوّن أسماء المتصعلكين أكثر من تدوينه لأسماء السياسيين، فلقد استطاع هؤلاء الصعاليك الجدد أن ينجحوا عندما فشل الساسة، من خلال تركيزهم على أحلام الناس وليس على مصالحهم فقط.