في الإعلام العربي، وخصوصا عبر الصحافة المطبوعة، اليوم، الرأي أهم من الخبر بكثير؛ الناس يتناقلون في رسائل جوالاتهم، وفي حديث مجالسهم، وعبر بريدهم الإلكتروني مقالات رأي لكتاب، ونادرا ما يكون التداول بخصوص خبر منشور. والرأي أهواء وصولات وجولات، منه ما هو انطباعي وعاطفي، ومنه ما هو انفعالي، ومنه ما هو دقيق وموثق، ومنه ما هو وليد اللحظة بعيدا عن الصورة الكبيرة. ولذلك كان من الطبيعي أن يكون الإعلام العربي الجديد «مسحوبا من قفاه» بسياسة إعلام الرأي والرأي الآخر، بدلا من إعلام «الحقيقة ولا غيرها» مثلا، وهذا طبعا يأتي بالهوس الكبير، الذي أحدثه الإعلام الشمولي أيام فترة الرئيس المصري الراحل، فكانت صفحة الرأي كاملة معنونة بالعنوان المغري والجذاب: «بصراحة» ويكتبه، لسان حال الرئيس عبد الناصر، محمد حسنين هيكل، فيعرف الناس في العالم العربي اتجاه بوصلة الرئيس من مقال رأي، ولكن صحافة الرأي تحولت في واقع الأمر إلى صحافة «فشة الخلق»، فمن عنده مشكلة شخصية وخاصة يبرزها ويعتني بها ويسطرها بحروف من ذهب، لتصور أنها قضية عامة، فيبالغ ويهول، وهناك من يستخدم مجال الرأي للتجريح وتصفية الحسابات بشكل فج، وهذا بشكل أو بآخر قد يوهم بعض الكتاب «بمكانة قلمه»، وبالتالي أنه قادر وحده على إرباك المجتمع و«شيله وحطه» بما يخط، فيبدأ بتوزيع رسائله على معارفه وأحبابه ومن يطيق ومن لا يطيق بقراءة مقاله، وإرسال المقال نفسه (بالقوة). ولذلك، وبسبب «سوق» صحافة الرأي، تحولت بعض الأقلام إلى ما يُشبّه بكتابة العرضحالة والمعاريض لعرض حالة معينة وظرف معين وخاص بشكل عاطفي وجياش. في ظل انحسار الحرية المسؤولة عن الإعلام العربي، وغياب التدريب المهني والقوانين والأنظمة الصريحة التي تحمي الممارسة والممارسين، ستزيد فوضى وعبث صحافة الرأي، وهذا متوقع، مع عدم الإقلال أبدا من وجود أعمدة رأي هامة جدا ومؤثرة للغاية، فميشال أبو جودة «في عزه» كان بالنسبة للكثيرين أحد أهم أسباب شراء جريدة «النهار»، وكذلك سلامة أحمد سلامة في «الأهرام» حينما كان يكتب فيها، أو يوسف الكويليت في جريدة «الرياض» السعودية، وغيرهم من الكبار والمؤثرين. مسألة التعبير عن «الرأي» أساسا فيها إشكالية في العالم العربي، لأنها ارتبطت بالخوف، لأنك إذا قلت «الحقيقة» فسيكون مصيرك أن «تروح ورا الشمس»، وبالتالي أصبح على مبدي الرأي أن يلطف ويهذب كلماته، ويقول شيئا لا يعنيه حقيقة، ولكن على النقيض، هناك من يعتقد أن الرأي الصادق والشجاع والمسؤول والمباشر والجسور هو الذي يكون مليئا بالإهانة والسباب وعدم الاحترام، فيكون أشبه بالردح، ولائقا بالشوارع لا بالمنبر الإعلامي الذي له تقديره ومكانته، وهذا هو الذي مكن من أن يكون للصحافة الصفراء مكانتها، لأنها بالنسبة للعامة وسيلة انتقام من الواقع وإحباطاته، فيتلذذون بقراءة الشماتة والشتيمة بحق الغير حتى ولو كان ذلك كذبا، والمقصود بريئا منه. وانتقلت هذه المعضلة بامتياز إلى مستنقع مواقع الإنترنت التي باتت وكرا لرزيلة الرأي «الشين». صحافة الرأي في العالم الإعلامي المحترم لها قيمتها ولها معاييرها، فتوماس فريدمان وموردين داود من أهم أسباب قراءة ال«نيويورك تايمز» كما أن ديفيد إغناطيوس من أسباب قراءة ال«واشنطن بوست» أو ديفيد هيرست لل«إندبندنت»، ومن المضحك أن يكون هناك رغبة في تقليدها دون الالتزام بشروط اللعبة.. وهذا فرق كبير!