.. إذا أشعَّتْ حياةُ، فإن الحياةَ المجاورة ستلتقط قبسَ الضّوء. ذاك من الدروس التي خرجت فيها من فيلم وحملة «أوباما أطلق حميدان». لقد انتقل قبسُ الضوءِ لكل نفس متوثبةٍ معطاءةٍ تريد خيراً لها وللآخرين، بينما تبقى نفوسٌ عاجزة إلا عن الانتقاد ورمي الحجر، ثم يطويها اليومُ، بل هي تطوي نفسها بسوء عملِها، بينما تتعامد الأنفس المتوثبة المعطاءة المقتدية بالإنجاز الرفيع مع منابع النور.. حين يكون النورُ عطاءً إنسانياً منقطعا من أجل العطاء ذاته، لا لتوقع المكافأة وراء العطاء. صممت طالبة الماجستير المبتعثة في أستراليا «سحر الشريف» أول صفحة «فيسبوك» حال قراءتها لمقالٍ أتمنى فيه تلك الحملة، ثم صارت تلك الصفحة تاريخاً إعلامياً لم تستطع أن تجاريه أكبر الحملات، ثم تحوّل فيلِْما علي يد شبابٍ سعودي وطار في المدى الإنترنتي بمسافة أقصى من مسافات الأحلام المفتوحة.. وكان النجاح للحملة، أقولها، من أكبر نجاحات الحملات الإعلامية في منطقتنا.. لم تكلف الكثيرَ، ولم تستغرق الكثيرَ، ولكنها بُنيت بذكاءٍ، ونوايا مُحِبَّة، وصفاءِ قلوبٍ، وتوقدِ عقولٍ، وأرواح شابةٍ متطلعة، فتعدت بنجاحها حملاتٍ بمئات الملايين.. وصلني البارحة من صديقي المبتعث للدكتوراة الشاب عامر الحسيني عملٌ مشهدي صغير لخمس دقائق من أحد الطلبة، وكأنه يتابع بقية سلسلة عائلة «حميدان التركي» وركز على زوجته التي وقفت قوية أمام التحدّي والقهر والصعاب وحيدة إلا من إيمانِها بربِّها، ثم اعتماداً على شخصيتها القوية، وتمنيتُ عليه أن يعطي الفيلم هذا العنوان: وراء الرجل سجين، وزوجةٌ صامدة. ورأيت الفيلمَ وأعجبني مع بساطته وصدقه. ثم وصلني من الطالبة المبتعثة أيضا في «ليدز» البريطانية لدراسة الماجستير «مها المنصور»، اقتراحاً بإنشاء صفحة في الفيسبوك بعنوان: «حتى لا يبكي حبيبٌ على حبيب»، وهو أيضا عنوان مقالٍ عن حملة «كِلانا» الخاصة بتشجيع مساعدة جمعية الكلى بالتبرع البسيط عبر رسالةٍ هاتفيةٍ لمرضى الكلى، حتى تتوفر لهم عملياتُ الغسيل التي تربطهم بالبقاءِ في الحياة، وتلطَّفَتْ بطلب الموافقة.. وتعجبتُ أن الكريمَ يستأذنُ من سيقع عليه فعلُ الكرم! وما هي إلا ساعات في ذات اليوم لترسل مها رابط الصفحة، ليس فقط الصفحة بل أصدقاء الصفحة الذين انهالوا عليها مع التأسيس. ونأمل أن تنجح هذه الحملة لإنقاذ هؤلاء المرضى المهددة حياتهم لنقص وسائل وأجهزة غسيل الكلي في مستشفياتنا العامة، وتكلفة الجلسة لا يمكن أن يتحملها من دخله فوق المتوسط، فما بالك بالفقراء.. ليس هذا فقط بل صار الشبابُ يفكرون بذات طريقة «المهند الكدم» و»عاصم الغامدي»، في استغلال الإعلام الجديد ووسائطه من أجل علاج مصاعب أرهقتْ هذه الأمة وسبّبت لها الكثيرَ من الأحزان والخسائر العظمي، فمنهم من يفكر في حملةٍ للسلامة المرورية، ومنهم من يفكر في حملةٍ لصدّ المخدرات، ومكافحة التدخين، والأمراض السارية، والعنف الأسري، واستغلال المرأة والطفولة.. وإصلاح الإدارات الرسمية، والتعليم.. نعم تاريخٌ يُكتب جديدا أمامنا، ونحن الشهود!