هل تعتبر أنك وفيتَ بوعدك لعزيزٍ إن أخبرت أنت عنه فقط، ثم قام آخرون بالكامل بتنفيذه رغم الصعوبات والعقبات والتحديات؟ هذا أولُ سؤالٍ شغل ضميري، وأثقل قلبي وأنا أرى بعيني بدء حملةٍ كبرى ستعم البلادَ بعنوان: "حتى لا يبكي حبيبٌ على حبيب"، والحملة بالتنسيق مع حملة "كلانا" المشهورة.. وباكورتها كانت بالأمس في مجمع الراشد، وستبدأ باستهلال الشهر الهجري القادم بتخطيط كبير في كل المستويات في العاصمة ثم ستنتقل إلى جدة، وأرجو أن تنتشر في البلاد شمالها وجنوبها.. يبقى السؤالُ: هل وفيتُ بوعدي لك يا عائشة؟. يوما قالت لي وهي في طيوف الوعي بعد أدوية التخدير: «أعطني وعداً أنك ستبذل جهدَك كي لا تتعذب فتاةٌ مثلي بعد اليوم»، ثم نظرَتْ إلى أبيها الباكي وأكملتْ مشيرةً بأصبعها إلى أبيها:«لأني لا أريد أن يبكي حبيبٌ على حبيب» القصة بدأت عندما عرفتُ عائشة الفتاة العظيمة من جيزان وكانت تعالج بالخارج بعد أن لم يتوفر لها متبرعٌ أو متبرعة، وفشلتْ كليةٌ تبرعت لها أمها الرءوم.. وكان معها أبٌ متفانٍ ترك كل شيء.. بالضبط كل شيء وراءه من أجل علاج ابنته.. ترك العملَ والأهل، وكل شيء. كانت عائشة صغيرة الجسم تبدو في العاشرة من عمرها، وهي قد جاوزت الثالثة عشرة.. هزيلة معروقة احترق جلدُها من العمليات المتكررة والإبر المغروزة والأنابيب الداخلة والخارجة.. وارتبطتُ ظرفاً مع عائشة وصرتُ تقريبا مقيما مع والدها وهي بغرفة المستشفى نبذل ما بجهدنا.. وينقطع الجهدُ كل مرّة. ما أسَرَني بعائشة ليس لأنها فقط مريضة، بل لأنها كانت عبقرية المواهب، حاضرة العقل، لا تختفي عنها الابتسامة وتلتقط المفارقة الساخرة من الهواء.. كانت تهددني كل مرة وهي الكاتبة والشاعرة: "لن أرتاح حتى أكتب وأشتهر وأُقْصيكَ عن الكتابة.." وكنت أرتعدُ خوفاً من هول التهديد وتغرقُ هي في الضحك.. تضحكُ والدمُ ينزف مع الأنابيب كل مرة، وتصرخ أجهزة الرقابة كل مرة.. يوما قالت لي وهي في طيوف الوعي بعد أدوية التخدير: "أعطني وعداً أنك ستبذل جهدَك كي لا تتعذب فتاةٌ مثلي بعد اليوم"، ثم نظرَتْ إلى أبيها الباكي وأكملتْ مشيرةً بأصبعها إلى أبيها:"لأني لا أريد أن يبكي حبيبٌ على حبيب". استمر عذابُ عائشة أشهرا، ثم عادت أمانتها إلى ربها، مغسولة بإذنه طاهرة إلى مقر الخلود. أخذني الحزنُ وأذهلني، حتى تلقيتُ مكالمة عاتبة من الأمير عبدالعزيز بن سلمان بأني لا أشارك كما ينبغي في التنوير عن حملة "كِلانا" للتبرع بالكلى، لم يقلها مباشرة وفهمتها بوضوح، واستيقظتْ عائشة ووعدي لها، وكتبتُ مقالا بعنوان "عائشة: حتى لا يبكي حبيبٌ على حبيب" وأشرتُ لوعدي لعائشة.. وانظروا ما حصل بعد.. "مها المنصور" فتاة كانت تدرس الماجستير في ليدز البريطانية، وقعت على المقال وبدأت بأول صفحة على الفيسبوك بعنوان المقال، ثم صارت حملة.. ثم حضرتُ الحملة! ثم.. من وفى بوعدي لك يا عائشة؟.