محمد عبد اللطيف آل الشيخ - الجزيرة السعودية تلقيت بعض الردود التي تعارض السماح للمرأة بالعمل في السوبرماركت بوظيفة (كاشيرة) بعد مقال كتبته عن هذا الموضوع، وهو القرار الذي اتخذته إحدى شركات السوبرماركت الشهيرة في مدينة جدة. أن تفترش المرأة الرصيف أمام السوبرماركت وتبيع، فهذا في موازين البعض لا مانع فيه؛ أما أن تدخل المرأة داخل السوبرماركت، وتمارس نفس النشاط فهذا غير مقبول، تسأل: طيّب وش الفرق؟. فلا تجد إلا إجابات بينها وبين المنطق، بل والتفكير السليم، (عداء مستحكم). بعض البسطاء تعودوا على شيء وظنوا أنَّ عاداتهم وتقاليدهم وما ألفوه منذ نشأتهم هو الإسلام، ولا إسلام غيره. وحينما تناقشهم لا تسمع إلا: أترضاها لأمك، أترضاها لزوجتك، أترضاها لابنتك؛ في محاولة غبية وساذجة لإحراجك. إذا كانت أمي أو زوجتي، أو ابنتي، أو أختي، مُحتاجة إلى العمل، فالجواب بكل بساطة وأقولها بملء فمي: (نعم)؛ فهو عمل شريف، لا يأباه الدين، ولا عادات هذه البلاد وتقاليدها؛ وكان عمل المرأة في أسواق مدن وقرى المملكة شائعاً حتى الماضي القريب. ومن أراد أن يتأكد فليرى الصور الوثائقية لأسواق الرياض القديمة؛ حيث كان النساء يمارسن البيع بأنفسهنَّ في الأسواق مثلهن مثل الرجال، ومازال بعضهن يمارسن العمل ذاته حتى اليوم. ولا يمكن أن يدّعي حتى أكثر الناس تشدداً وانغلاقاً أن أهل الرياض - مثلاً - كانوا آنذاك يرضون (بالعيب) على نسائهم، بينما الأجيال اللاحقة هم من أنقذوا المجتمع من هذه الانحرافات. ومن يتصور أن امرأة ستقضي 8 ساعات تعمل في عمل متعب وممل ومنهك كهذا العمل، وهي ليست في حاجة، بل وحاجة ماسة أيضاً، فهذا بصراحة لا يستحق حتى أن تلتفت إليه. ثمَّ إذا كنت ترفض أن تعمل المرأة كاشيرة في سوبرماركت يجب أن ترفض - ليستقيم منطقك - أن تفترش المرأة الرصيف في سوق المقيبرة أو سوق العويس في الرياض، أو في بقية مدن وقرى المملكة؛ أما أن تسمح لها هنا، وترفض عملها هناك، فلا يمكن أن يكون منطقك وقياساتك إلا مُختلة. ومن الحلول المثيرة للسخرية والتندر تلك التي أتى بها أحدهم لحل مشكلة البطالة بين النساء، ممن يطمح أن يكون وصيّاً على المجتمع؛ يقول لا فض فوه: لماذا لا نضع للنساء مستشفيات، وللرجال مستشفيات، وللنساء أسواق وللرجال أسواق، وبنفس المنطق: وللرجال أقسام شرطة وللنساء أقسام شرطة؛ وهكذا بالنسبة لبقية النشاطات الحياتية الأخرى؛ بالشكل الذي يعزل الرجال عن النساء عزلاً تاماً؛ أي أن الحل العبقري الذي أتى به هذا الفتى الألمعي لحل مشكلة بطالة النساء أن تُشكل دولتان في دولة، فيكون هناك دولة للرجال، وفي إزائها دولة للنساء، ويقف في الحدود الفاصلة بين الدولتين المفترضتين (حراس الفضيلة) كما يقف رجال الجمارك في الحدود الفاصلة بين الدول، ليمنعوا أي تماس أو اختلاط أو تسلل لا سمح الله!! وختاماً أقول لمعارضي هذا القرار: الاقتصاد واحتياجات الإنسان ستفرض نفسها؛ ومن يقرأ تاريخنا القريب سيعرف أنَّ ما أقوله هو حقيقة أثبتها التاريخ مرات ومرات؛ ولكن هل من متعظ؟