بحضور الأمير سعود بن جلوي.. قنصلية دولة الكويت تحتفل باليوم الوطني ال64    أمير منطقة المدينة المنورة يزور محافظة وادي الفرع    افتتح المنتدى وثمّن دعم القيادة.. أمير الشرقية: الأحساء وجهة واعدة للمشاريع والاستثمار    خلال مشاركته في المنتدى السعودي للإعلام.. وزير الطاقة: ولي العهد صانع التأثير والتغيير    قدم شكره للقيادة السعودية على استضافتها.. الرئيس الروسي: محادثات الرياض إيجابية وخلقت أجواء ودية    ترمب: شكرا ل «محمد بن سلمان».. والسعودية مميزة    أكد أنه سيلتقي بوتين قبل نهاية هذا الشهر.. ترمب: المحادثات مع روسيا بالرياض كانت «جيدة جدًا»    كيلوج: إنهاء الحرب سيكون جيدًا لأوكرانيا وأوروبا والعالم    بتوجيه من خادم الحرمين وولي العهد.. عبدالعزيز بن سعود يستعرض مع ملك الأردن ووزير الداخلية التعاون الأمني    ركلات الترجيح تقود التعاون إلى ربع نهائي" أبطال آسيا2″    ملخق أبطال أوروبا.. ريال مدريد يقسو على سيتي بثلاثية    ملحمة ملكية في ليلة الأبطال.. مبابي يقود الريال لإذلال السيتي    الزهراني يحتفل بزواج كريمته    القريقري يحتفل بِزواج نجله عبدالرحيم    النهدي يحتفل بقدوم «بندر»    قلم أخضر    «الشؤون الإسلامية»: البرنامج يستهدف 61 دولة    "حافلات المدينة" تطلق خدمات النقل الترددي بداية شهر رمضان    جدة أكبر مدينة مليونية صحية.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يُدشن 4 مشاريع صحية حديثة    أمير القصيم يرعى انطلاقة ملتقى القطاع التعاوني    الطائف تودع الزمزمي أقدم تاجر لأدوات الخياطة    الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز..سيرة عطرة ومسيرة ملهمة    فيصل بن نواف يتسلم تقرير أحوال الجوف    محافظ الطائف يطَّلع على برامج يوم التأسيس    مستقبل السعودية.. جذور متأصلة ورؤية متمكنة    هنا في بلادي.. نحتفل بالإنجاز    الأمير سعود بن مشعل يدشن الهوية الجديدة لموسم جدة    هجوم استيطاني غير مسبوق على أغوار فلسطين    «بوريس جونسون»: محمد بن سلمان قائد شجاع    نائب أمير الرياض يطلع على جهود الموارد البشرية.. ويرعى حفل زواج «كفيف»    د. عادل عزّت يشكر المعزّين في وفاة والده    ميزانية الإنفاق ونمو الإيرادات    المملكة تبحث سبل دعم العمل الإنساني في طاجيكستان    "الداخلية" تنظم ندوة يوم التأسيس    قاعة تركي السديري: إرث إعلامي يحتضن المستقبل في المنتدى السعودي للإعلام    توظيف التقنية للحفاظ على الحرف التراثية    الذهب يستقر عند مستويات مرتفعة وسط التهديدات الجمركية الأميركية    وزير الخارجية يصل جوهانسبرغ للمشاركة في اجتماعات G20    تنفيذ "برنامج خادم الحرمين لتفطير الصائمين" في 61 دولة    أستون فيلا يعيد ليفربول لنزيف النقاط ويقدم خدمة لآرسنال    علاقة الحلم بالاستدعاء الذهني    نادي فنون جازان يحتفي بالمشاركين في معرضي "إرث" و" في حياة الممارسين الصحيين"    جمعية«اتزان» تعقد اجتماعاً تحضيرياً لفعاليات يوم التأسيس بجازان    الهيئة العالمية للتبادل المعرفي تكرم رواد التربية والتعليم    أهمية إنهاء القطيعة الأمريكية الروسية !    الاتفاق يواجه دهوك العراقي في نصف النهائي لدوري أبطال الخليج للأندية    «الانضباط» توقف سيماكان مدافع النصر مباراتين بسبب «السلوك المشين»    ليب 2025 وصناعة المستقبل الصحي !    التمويل السكني للأفراد يتراجع الى 2.5 مليار ريال    «التخصصي» ينقذ ساقاً من البتر بعد استئصال ورم خبيث    على نفقة الملك.. تفطير أكثر من مليون صائم في 61 دولة    محافظ صامطة يدشن الحملة الوطنية المحدودة للتطعيم ضد شلل الأطفال    مؤتمر بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية في مكة المكرمة    وزير الداخلية: إدارة الحركة المرورية بالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لتقليل الحوادث في السعودية    بتوجيه من سمو ولي العهد.. استضافة محادثات بين روسيا وأمريكا.. مملكة الأمن والسلام العالمي    أمير الرياض يتسلم تقرير جامعة المجمعة.. ويُعزي السليم    محافظ محايل يتفقد مشروع مستشفى الحياة الوطني بالمحافظة    ما أشد أنواع الألم البشري قسوة ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توكفيل.. وأزمة مسجد غراوند زيرو

في كتابه التاريخي المهم «الديمقراطية في أميركا» (1838)، يقول إليكسس دي توكفيل: «لا أعلم أن هناك بلدا يوجد به أقل قدر من الاستقلالية في التفكير الفردي، وأكبر مساحة للتعبير مثل الولايات المتحدة». هذا الوصف الذي عبر عنه الدبلوماسي الفرنسي يتبادر إلى الذهن مع تصاعد الخلاف في أميركا حول قضية بناء مركز إسلامي ومسجد على مقربة من مكان تحطم برجي التجارة العالمي في نيويورك. ففي ظرف أسابيع قليلة تحولت قضية المسجد إلى قضية رأي عام أدلى فيها الجميع - بمن فيهم الرئيس الأميركي - برأيه سلبا وإيجابا. بيد أن القضية أخذت أبعادا سلبية داخل وخارج الولايات المتحدة مع اقتراب حمى الانتخابات النصفية، بحيث صورت المسألة على أنها خلاف حول موقف أميركا من الإسلام، في حين أن القضية كلها ما كانت لتبلغ هذا الحد لو أن المشروع أقيم في أي شارع آخر في نيويورك أو غيرها من المدن الأميركية، ولكن هل أميركا فعلا تعاني من حالة «إسلاموفوبيا»؟
في عددها الأخير، أجرت مجلة «التايم» الأميركية استفتاء جاء فيه أن 61 في المائة من الأميركيين يعارضون بناء مسجد غراوند زيرو، بل إن قرابة 46 في المائة يعتقدون أن المسلمين أكثر ميلا من غيرهم من الديانات إلى استخدام العنف. قد تعتبر هذه الأرقام مفزعة، ولكنها لا تعبر بالضرورة بشكل دقيق عن علاقة أميركا بالإسلام. فالاستفتاء ذاته يقول إن 24 في المائة من الأميركيين يعتقدون أن أوباما مسلم، فيما يؤيد 55 في المائة منهم تشييد مساجد في حاراتهم. لست أقلل من أهمية هذا الاستفتاء أو غيره، ولكن يجب أن نلفت الانتباه الى أنه في أوقات تصاعد الخلاف السياسي بين أقطاب المجتمع الأميركي تبرز آراء ومشاعر ليست بالضرورة صادقة أو دائمة، فهي تخضع لظروف اللحظة الزمنية التي تؤخذ فيها. نماذج ذلك كثيرة في التاريخ الأميركي، فقد كانت هناك شريحة لا يستهان بها تعارض وصول جون إف كينيدي للرئاسة بوصفه كاثوليكيا سيعمل علي كثلكة بلد بروتستانتي متخوف، وحتى اليوم فإن الموقف من طائفة المورمن (بوصفها حركة هرطقة) فيه إقصائية ربما تفوق الموقف من ديانات أخرى كالإسلام. في عام 1882 صدر قانون فيدرالي ضد تجنيس المهاجرين الصينيين في الولايات المتحدة، وخلال الحرب العالمية الثانية وقع روزفلت قرارا رئاسيا عزل من خلاله عشرات الآلاف من اليابانيين في مخيمات خاصة. إضافة إلى ذلك فإن عدد أتباع جماعة الكوكلس كلان العنصرية - المتعصبة ضد السود واليهود والكاثوليك - كان قد بلغ أربعة ملايين مطلع القرن الماضي.
هذه الأرقام والمعلومات تكشف في الحقيقة عن حيوية المجتمع الأميركي لا عن تعصبه، لأن أغلب تلك الآراء والقوانين المتطرفة أصبحت في حكم الماضي في ظرف سنوات قليلة، وقل مثل ذلك عن الموقف الذي يدور الآن بخصوص مسجد غراوند زيرو. يلفت إليكسس دي توكفيل الانتباه منذ وقت مبكر الى جدل قيمي داخل أميركا ما بين قيمة «الحرية» و«المساواة» من جهة، وما بين الديمقراطية (حكم الأكثرية) من جهة أخرى، وأنه يمكن رد كثير من الاختلافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلى الخلاف حول العلاقة ما بين القيم الثلاث، ولهذا تحدث عن ما سماه «تسلط الأغلبية» في مواجهة حقوق الأقلية. الدستور الأميركي هو نموذج كلاسيكي لهذا الجدل القيمي، فبعد أن كتب الدستور في 1787 وجد الآباء المؤسسون تناقضا ما بين بنوده، ففي حين كانت أول فقرة في الدستور تشدد على مبدأ المساواة بين البشر كان من الواضح أن بقية البنود أعطت صلاحيات كبيرة لحكم الأغلبية، ولهذا أضيف إلى الدستور «قانون الحريات» (1789)، والذي اشتمل على عشرة حقوق فردية تضمن حرية الفرد في مواجهة حكم الأغلبية.
دستوريا يحق للإمام فيصل عبد الرءوف وزملائه في «مبادرة قرطبة» - أصحاب المشروع - أن يبنوا مسجدا ومركزا دينيا في أي مكان في الولايات المتحدة - بما في ذلك مكان تحطم البرجين - وحتى الآن فإن أصواتا مهمة، مثل حاكم ولاية نيويورك السابق مايكل بلومبرغ، وغالبية من رجال القانون والفكر قد أيدوا حق أصحاب المشروع في بناء المركز. إذن فالقضية لم تعد مسألة معارضة الإسلام بوصفه إسلاما، أو تمييزا دينيا، لأن الدستور والقانون يكفلان حرية العبادة بما في ذلك بناء مسجد غراوند زيرو، ولهذا فإن القضية تصبح قضية حكمة وتقدير لخيار فردي مشروع، أو بمعنى أدق مسألة حساسية اجتماعية، وهنا يجب أن نسأل الإمام فيصل وزملاءه لماذا يريدون أن يبنوا مركزا إسلاميا قيمته 100 مليون دولار إذا كان ذلك يضايق مشاعر الأميركيين!
حقيقة الأمر أن الموقع المشار إليه يصلى فيه منذ أكثر من عام ولولا الضجة الإعلامية التي أثارها مشروع قرطبة لما انتبه لذلك أحد، بل إنه وعلى بعد أمتار قليلة يوجد مسجد رسمي قبل عملية 11 سبتمبر الإرهابية، وما زال قائما هناك. وهنا علينا أن نسأل: لماذا يتم بناء مسجد ومركز آخر إذا كان هناك مسجد قريب بالفعل؟ لست أدري من أين سيؤمن أصحاب المشروع 100 مليون دولار إذا كان رئيس المبادرة يجول في منطقة الشرق الأوسط لنشر التسامح الديني بنفقة لم تتجاوز 16 ألف دولار على حساب الخارجية الأميركية، لست هنا أقلل من جهود الإمام وزملائه الراغبة في تصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام، ولكن حين يثبت أن المشروع يوتر العلاقة بين الأميركيين المسلمين ومواطنيهم فإن المشروع حينها يكون قد جاء بنتائج عكسية.
لقد قال البعض إن تخلي أصحاب المشروع عن مشروعهم يعني تخليهم عن حقوقهم الدستورية، أو أن المعركة ليست مسألة تغيير لموقع المشروع بل مدافعة ضد مشاعر التمييز المتعاظمة ضد المسلمين. إذا سلمنا بهذا الاعتبار، فإن التسوية حينها تصبح الحل الأمثل لأن الأهم ليس موقع المشروع بقدر ما هو قدرة الأميركيين المسلمين على توثيق الصلة بمواطنيهم. لقد كان توكفيل محقا، فاستقلالية التفكير الفردي في أوساط الأميركيين المسلمين لا تزال متأثرة بتاريخ من العداوات والخلافات الموروثة من بلدانهم الأم مع أميركا، والمنتظر منهم تصحيح ذلك، فتغيير موقع لا يغير من رسالة المكان شيئا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.