الصديق العزيزعادل الطريفي كان قد كتب مقالة جميلة حول الضجّة التي صاحبَت بناء مسجد قرب برجي مركز التجارة العالمي (مسرح أحداث الحادي عشر من سبتمبر) الأربعاء الماضي في صحيفة الشرق الأوسط وكان قد استشهد بمقولة توصّف حال الأمريكيّين في الأزمة من خلال مقولة نقلها عن اليكس دي توكفيل: (لا أعلم أن هناك بلدا يتواجد به أقلّ قدر من الاستقلالية في التفكير الفردي وأكبر مساحة للتعبير مثل الولاياتالمتحدة ). ومن خلال هذه العبارة تبادر إلى ذهني (الحلم الأمريكي) الذي أصاب العالم بالهوس حول أرض الأحلام التي يمكن لكل أحد أن يعيش فيها وينجح دون أن يتعرض لأيِّ مضايقات! هذا الحلم الذي قاد ابن أحد المهاجرين حديثا إلى أن يشق طريقه إلى البيت الأبيض رأس الهرم في الولاياتالمتحدة الأمريكيّة بعرقه الأسود وأصوله الإسلامية ! الضجّة التي لحقت بأوباما في توليه الرئاسة لم تعق العملية الانتخابية بل كانت سببا في تحفيز الأمريكيّين على اختبار الديموقراطيّة والحفاظ على طابع أمريكا الليبرالي، ولا أعتقد أنه يمكن لأي شخص زار الولاياتالمتحدة خلال الفترة الماضية كان يتخيل أن تثار ضجّة ضد بناء أي دار للعبادة في ذلك البلد المنفتح على الجميع، فهل بناء مسجد قرب مبنى التجارة العالمي أمر إيجابي يعود على المسلمين بالنفع؟ سؤال تبدو الإجابة عليه في الوقت الراهن في غاية الصعوبة لسببين رئيسيين: الأول: أن الإعلان عن بناء المسجد أثار حفيظة شريحة لم تكن متوقعة في الولاياتالمتحدة وكشفت عن نوع من تنامي الإسلام فوبيا وانتقاله من أوروبا إلى الولاياتالمتحدة الأمريكيّة التي كانت المستهدف الأول من هجمات سبتمبر والقاعدة، وكانت الأكثر عقلانية في التعامل مع الإسلام وليس مع المسلمين بخلاف دول أوروبية حاكمت الإسلام وتركت المسلمين وصادرت حريات دينية كموضوع الحجاب. الثاني: أن التراجع عن هذا المشروع ربما يكون تنازلا عن حق دستوري لأقلية أمريكية تؤدي واجباتها وتطالب بحقوقها؟ لكن لو أردنا أن نأخذ الموضوع بنوع من المنطقية والعقلانية فلماذا لا نعتبر أن المسلمين من خلال هذا المشروع يريدون أن يفتحوا صفحة جديدة مع ذوي الضحايا من خلال القضاء على الفكر المتطرف ونشر قيم التسامح ولا أدل على ذلك من هوية المركز المراد إنشاؤه والتي جاء فيها أنه يتألف من ثلاثة عشر طابقا وحوضا للسباحة وخاليا من أي زخارف إسلامية بما فيها المئذنة والقبة،! وهو ما يدل على أن القضية ليست مداً إسلاميا بقدر ما هي حاجة دينية وثقافية لرمزية الموقع يمكن من خلالها قلب الموقع إلى رمز للتسامح وليس للانتقام والبكاء كما يريده الإنجليكيون الأمريكيون! أما عن ذوي الضحايا في هجمات سبتمبر فقد ذكرت صحيفة الشرق الأوسط في عدد 11594 الخميس أن عائلات 11 سبتمبر مع بناء المسجد ورفعوا شعار (عائلات 11 سبتمبر من أجل غدٍ سلمي). وإذا عرفنا أن مؤسسات المجتمع المدني في أمريكا مع المشروع وعمدة نيويورك مع المشروع ورئيس الولاياتالمتحدة مع المشروع، يمكن أن نسمي معارضة المشروع هي تنامٍ للإسلامو فوبيا وتنامي الأصولية الإنجيليكية ضد الإسلام. (مركز قرطبة) يمكن أن يكون بداية لحقبة جديدة من التعايش والتسامح والثقة بين الأمريكيّين، ولا شك أن أحداث سبتمبر فعلت الكثير في تقسيم أمريكا من الناحية الدينية والعرقية ولا أدل على ذلك من الإحصائية التي تقول: إن 46% من الأمريكيين يرون أن المسلمين أكثر ميلا إلى العنف من غيرهم! مسجد غراوند زيرو أو مركز قرطبة أثار الجدل الذي كان ينبغي أن يثار في الولاياتالمتحدة الأمريكيّة بغض النظر عن النتيجة التي سوف ينتهي إليها، فموقف الأمريكيّين من الإسلام ما زال يكتنفه الكثير من الغموض إلى بروز أزمة المسجد التي حركت السياسيين ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني باتجاه الكشف عن حقيقة التسامح لدى الشعوب.