على الرغم من النظرة السلبية وربما الاحتقار الذي يبديه بعض الدعاة وتلامذتهم وجماهيرهم للفنان (الممثل) إلا أنني أعتقد أن الطرفين (الداعية والممثل) يخضعان في مجتمعنا لمعادلة واحدة يتحتم عليهما السير وفقها وإلا أصبحا خارج الحسابات الجماهيرية، بل ربما اعتبرا متسلقين على أكتاف العلم أو الفن، فيطردان من "رحمة" المريدين والعشاق. ولذلك تراهما يسيران وفق أهواء ورغبات الغير، فيتحولان من قادة تغيير إلى أدوات تنفيذ لرؤى الجماعة/ المشاهدين. ولكي تتضح الصورة أكثر لنأخذ من الفنانين السعوديين نماذج مثل الفنانين عبدالله السدحان وناصر القصبي وعبدالله عسيري، حيث كبّل السدحان نفسه في شخصية كبير السن (أبو مساعد الشايب المراوغ وعاشق المال)، أما القصبي فكبل نفسه في دور الشاب (العبيط)، وعبدالله عسيري كبّل نفسه في شخصية (التهامي الساذج)، فعندما حاول هؤلاء أو غيرهم من الفنانين الذي كرسوا في صورة ذهنية واحدة، الخروج عن النص الجماهيري، وحاولوا تقديم شخصيات أخرى، انهالت عليهم الشتائم والسخرية والانتقاص منهم ومن مواهبهم، بل ودعوتهم للعودة إلى "دائرة الصواب" وإلا سينفض الجميع من حولهم، جماهير ومنتجي أعمال درامية، وبالتالي رضخوا للأمر الواقع ربما من أجل "لقمة العيش". هذا يشبه تماما ما يحدث لبعض الدعاة في ساحتنا الأخرى (الدعوية/ الجماهيرية)، فعندما يضع داعية ما، نفسه في خانة معينة من الآراء الفقهية التي يجذب بها مئات الآلاف وربما الملايين من التلاميذ والمريدين، ثم يطلق في يوم ما، رأيا فقهيا مختلفا عما كان يردده هو على مسامع هؤلاء الجماهير، سيلقى مصير الفنان الذي قدم دورا مختلفا عما كرسه هو في أذهان المشاهدين، حيث سيُخرج هذا الداعية من "الرحمة الجماهيرية" ويقذف به في غياهب النسيان، طبعا بعد أن يمر بمرحلة الشتائم الشخصية والحملات المنظمة التي تلزمه جدران بيته/ سجنه. ولكي يخرج الفنان أو الداعية من "السجن الجماهيري" الذي وضعا نفسيها فيه، لن يجدا طريقا آخر سوى العودة إلى المربع الأول ومداهنة هذه الحشود الغاضبة، ربما ليس بقناعة تامة بالعودة عن تقديم شخصية/ رأي جديد، بل لكي تفك السلاسل التي ضربت حولهما، ولاستعادة ولو بعض "الوهج" الذي فقداه. إذن فلا نلومهما فسجوننا الحقيقية هي عقولنا التي لا تحب سوى الصور المكررة، وشعاراتنا في كل مناحي الحياة (دعونا كما نحن).