يبدو أن ارتفاع الأسعار لم يطل فقط السلع التموينية والغذائية والملابس والقطع الاستهلاكية والتي يمارس فيها التجار في غفلة من وزارة التجارة ومن حماية المستهكك لعبتهم القديمة، فالدعاة أيضاً قد رفع عدد منهم أسعار محاضراتهم وبذلك فهم يحرمون الناس من علمهم ونصائحهم! بعضهم لديه وكيل أعمال ينسق له ويوقع الاتفاقيات، ومن لديه مهرجان أو مناسبة جماهيرية ويريد أن يضيف إلى برنامجه محاضرة دينية لكنه لا يستطيع أن يدفع الرسوم سيقول له (الداعية) أو وكيل أعماله (اللي ماعندوش مايلزموش)! و(امتهان) الدعوة أي تحويلها إلى مهنة تدر الملايين على أصحابها جعلها المهنة الأفضل والأسهل والأقل مشقة بين العديد من الأعمال التجارية المهمة في بلادنا والتي غفل عن استثمارها الكثيرون! ولكي لا يكون الكلام جزافاً ويطلق على عواهنه فإن إحدى صحفنا المحلية قد ذكرت أن داعية رفض إلقاء محاضرة إلا بمقابل (ستون ألف ريال) لساعتين! داعية آخر طلب منه تقديم برنامج في رمضان للتلفزيون فطلب مقابل خمس عشرة دقيقة يوميا خمسة عشر ألف ريال! مما يعني أنه يطلب أربعمائة وخمسون ألف ريال في شهر رمضان! ترى كم كانت مكافأة الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- عندما كان يقدم برنامجه الشهير على مائدة الإفطار!. أليس ما يقوم به بعض الدعاة أمر يثير العجب ويعزز حب المادة التي ينادون بالزهد فيها ويتنافى مع وجوب عمل الخير ودفع زكاة العلم. لو كان أولئك الدعاة يقبضون مبالغ مالية معقولة لتغطية تكاليف التنقلات والسكن فهذا أمر معقول بل وحق من حقوقهم لكنهم مبالغون جداً في تسعيرة محاضراتهم! لذلك فعلينا أن لا نلوم الجمهور لو قال أحدهم إن الداعية الذي يحاضر لهم في مهرجان سياحي لم يحضر من أجل سواد عيونهم أو أنه قد جاء حباً في نصحهم وإرشادهم، ولكنه جاء بعد أن وقّع عقداً بعشرات الآلاف ولو منعت عنه هذه الدراهم لما حضر!.. التكسب بالدين بهذا الشكل المبالغ فيه أمر طارئ على مجتمعنا! ولذلك فإنه يستغرب من شخص ليس له مهنة يتكسب منها غير التنقل في الفضائيات والمهرجانات دون أن يكون له دور حقيقي في التأثير في المجتمع وتطبيق المفاهيم النظرية التي ينادي بها على أرض الواقع! كم عدد الدعاة الذين رأيناهم يشاركون في التنمية، كم منهم رأيناه يفتتح مصنعاً أو معهداً علمياً يدرس التكنولوجيا ويساهم في تقدم الأمة ذلك الشعار الذي ينادون به ولا يعمل الكثير منهم لأجله! إن غالبيتهم انساقوا خلف الأسهل وهو المحاضرات والندوات والكلام في المسلمات بينما مشاركتهم الشخصية في تقدم المجتمع وحث الشباب على الإنتاج والعمل واقتداء الشباب بهم في هذا المجال ضعيف إن لم يكن معدوماً! ورحم الله ابن باز وابن عثيمين فكانا مثالاً يحتذى في الزهد والقناعة!.