انتشرت في الخمس سنوات الماضية الأخيرة ..«ظاهرة التباهي بتجارة الدين» .. وخاصة في فترات الإجازة الصيفية، وانتشار المخيمات والمعسكرات التوعوية التي يقيمها البعض، ويتجمع الشباب هناك لقضاء أوقاتهم ويقوم أصحاب ذلك المجمع أو المعسكر بدعوة المشايخ من .. «الدعاة الجدد» .. والسرد السائد في تاريخ هذه الظاهرة هو السرد المتعلق بالمبالغ المالية التي تدفع لذلك .. «الشيخ الداعية» .. ، فلقد تميزت هذه الظاهرة بالتنافس الشديد بين بعض المشايخ في قيمة ما يدفع له مقابل حضور تلك الخيمة وإلقاء على الحاضرين كلام في كلام في كلام. فيتفق ذلك الشيخ مع أصحاب المخيم على مبلغ قيل لي إنه وصل حاليا إلى ستين ألف ريال مقابل ساعتين، ووصلت لي رسائل عبر الجوال تشير إلى ذلك. فلقد تكونت لدينا الآن أساليب جديدة للمتاجرة بالدين. وأصبح لها قبول في المجتمع. لقد أصبح المسار الذي اتخذه .. «بعض» .. وأركز على بعض المشايخ في التعاقد مع أصحاب المخيمات نفس المسار الذي يسير فيه كبار الفنانين والفنانات والرياضيين من لاعبين كرة القدم الطموحين، بل إن بعض المشايخ أصبح له .. «سمسار» .. مثل الفنانات والفنانين والرياضيين يتفاوض باسمه ويوقع العقود ويستلم الشيكات، بل إن الأمر تطور أكثر فلقد أصبح التنافس الشديد بين الدعاة من المشايخ على أن يكون اسمه ضمن العشرة الأوائل الناجحين في .. «قوائم الأغنياء من الشيوخ» .. والتي تصدرها بعض المؤسسات المالية المتخصصة. حيث تبين من خلال تلك الإحصائيات المالية وبعد فترة قصيرة بلوغ مستوى عال جدا من التوسع المالي لأولئك الشيوخ والدعاة وإزاء هذه الخلفية الصحافية، والتي أظهرت أمارات كثيرة قبلها أن .. «الدين أصبح تجارة رابحة» لبعض الشيوخ والدعاة. وفي ظني هكذا أعتقد أن هذه الظاهرة سيكون لها محاولة لاستطلاع الاستمراريات في التاريخ الديني والاجتماعي. ولها جوانب إيجابية منها أنها تكشف بوضوح تام للمجتمع أن هؤلاء المشايخ من الدعاة يتاجرون بالدين وعلى حساب المجتمع. أي أنهم يستخفون بعقول الناس ويعملون على تسطيح عقولهم بطريقة ساذجة بما يسردون من كلام فاضي وهرج وحكي وقصص وضحك .. إلخ. المهم أنه يعمل على إضاعة الساعتين المطلوبة منه. لكن القول بأن المشايخ من الدعاة يلقون تلك المحاضرات .. «مجانا» كلام غير مقبول عقليا. لأنهم يعتبرون فترة إجازات الصيف موسم حصاد مالي كبير، لابد من الاستفادة منه، بل إن بعضهم أصبحت له شعبية في خارج الوطن ويستقبل وتدفع له المبالغ الكبيرة. وبعضهم أصبح يسافر في شهر رمضان المبارك للقيام بصلاة التراويح .. «التهجد» .. مقابل مبلغ من المال، ولقد تنوعت أساليب التجارة بالدين. أريد أن أقول هم نفسهم أولئك المشايخ والدعاة يدعون في محاضراتهم وكلامهم وهرجهم وقصصهم .. « . . . . .».. إلى .. «الزهد» .. و .. «الورع» .. و .. «ترك مباهج الدنيا» .. ولكن واقعهم وحياتهم تقول عكس ذلك فهم يركضون وبشدة خلف .. «المال» .. و«الشهرة» .. و«الذيوع» .. بل إن بعضهم يعيش حياته في قصور مثل الأغنياء والميسورين والأثرياء في العالم والدليل هو حين ظهر أحد المشايخ من الدعاة المشهورين على مستوى العالم العربي وله مؤلفات مشهورة ظهر في إحدى الفضائيات .. والتي أظهر فيها المخرج بعض المشاهد من القصر الفخم الذي يسكنه ذلك الشيخ الورع الزاهد، وأظهر مناظر السيارات الفخمة الواقعة داخل أسوار القصر، وعندما سأل المذيع ضيفه الشيخ الكبير والمشهور عن هذه المظاهر الدنيوية وهذا المستوى من الرغد في المعيشة والترف الباذخ، قال له: في إجابته إن الدين دعانا إلى إظهار نعمة الله على الإنسان. يا سلام على هذه الورع، وذلك الزهد!، الذي لم يعيشه بعض التابعين من جيل السلف الصالح. وهذه المواقف، وهذا الحال، وهذا التناقض، وذاك التخريج، يكشف، ويفضح بوضوح صريح .. «مشروع الصحوة» .. في كثير من البلدان. للأسف أن هذا المبرر، وهذا الحال، وهذا التناقض، وحده لم يكن كافيا لإقناع عشاق المشايخ والدعاة بحقيقة وضعهم، بل مازال الكثير يركض خلف المشايخ والدعاة، ورسائل الجوال تنتشر بينهم للإبلاغ عن محاضراتهم وندواتهم ومواعيدها. لقد أصبحت .. «القوة المالية» .. التي يركض خلفها بعض المشايخ والدعاة سلاحا أمضى من الدعاوى السلفية المبهمة. والحقيقة أنني أخشى ما أخشاه من تنامي هذه الظاهرة فتساهم في تكوين عدة عوامل خارجة عن السيطرة في المستقبل، في حين يصعب تخيل أن «الدين» أصبح .. «تجارة رابحة» .. عند بعض رجال الصحوة من المشايخ والدعاة. والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض وساعة العرض، وأثناء العرض. للتواصل: 5366611 [email protected] * أديب وكاتب سعودي