نشطت الكنيسة في العصور الوسطى في أوروبا في توزيع صكوك الغفران على من يمنحونها المال والولاء، وفي الوقت نفسه أصدرت أحكاما بالإعدام على من خالفوها الرأي أو أعملوا عقولهم وبصائرهم في شؤون الحياة. يريد البعض اليوم أن يمارس ما قامت به الكنيسة من قبل لكن في شؤون الثقافة فيهبها لمن يشاء وينزعها عمن يشاء، ولا حيلة لأحد سواه في أن يقول في الأمر شيئا. بل ربما تجاوز حدود الممارسة فوهب البعض أصفارا على الشمال ولعله يجهل أن الأصفار على الشمال لها نفس قوة الأصفار على اليمين خاصة إذا علمنا أن الكون بين قوتي الماكرو والمايكرو. الثقافة حين تخرج عن مسارها الإيجابي البناء تدمر كما يدمر كوكبا حاد عن مساره الكوني الذي يحقق من خلاله وظيفته، وكم حطمت كواكب غيرها، والأرض تشهد على ما كان من قديم وما قد يحدث عن قريب أو بعيد. إن كان الحديث عن ثقافة إقصاء أو تهميش أو إسفاف أو أي جانب سلبي من سلبيات الثقافات في الحياة بما في ذلك ثقافة الجنس والفساد والابتزاز، فلا قيمة لها ولا معنى لما يمكن أن تشكله في موازين الوعي السوي، بل هي الهلاك والاستبداد. أجمل الثقافات وأروعها ما تجعل الإنسان يعمل مع أخيه الإنسان لتصبح الحياة على الأرض أصفى وأنقى وأبهج في سبيل تحقيق شيء من الكمال حين تتضافر الجهود، أما إن أراد الأمور على هواه وتسلط بها على سواه فلا فرق حينئذ بين مثقف فاسد ومسؤول فاسد فكلاهما عدو للحياة وللأحياء.