يصر كتابنا المتأمركون على اختلاق قضايا فرعية الهدف من ورائها تحويل أنظار الناس عن أسباب الأزمة التي تعصف بمنطقتنا منذ اتفاقات سايكس بيكو التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وحتى الآن. وأعني بذلك طبعاً زراعة دولة إسرائيل. كتابنا المتأمركون لم يعودوا يناقشون أصل القضية وإنما بدأوا في اتباع منهج جديد يقوم على توجيه أقسى أنواع الانتقاد لكل الأطراف المتعاطفة مع الحق العربي. على سبيل المثال فقد خرجت الأقلام المتأمركة في حملة هجاء منظمة للتشكيك في دوافع الدولة التركية ورئيس حكومتها رجب طيب أردوغان تجاه فلسطين منذ حادثة الاعتداء الهمجي التي قام بها جيش العدو ضد قافلة الحرية. نفس الأقلام أعادت تنظيم نفسها وقامت بحملة هجاء استهدفت الصحفية الأمريكية هيلين توماس بعد تصريحاتها التي دعت فيها اليهود للخروج من أرض فلسطين والعودة إلى ديارهم في ألمانيا وبولندا وأمريكا. وطبعاً فقد كان الهدف من الحملة التشكيك في نوايا الصحفية الأقدم في أمريكا. والحقيقة أن نوايا أردوغان أو دوافع هيلين لا يجب أن تكون محل نقاش لأنها مجرد تفاصيل متعلقة بالقضية وليست القضية ذاتها. لكن الأقلام المتأمركة استطاعت أن تستدرج الجميع إلى مناقشة التفاصيل دون الجوهر. القضية الأزلية التي يريد المتأمركون أن يحولوا أنظار الناس عنها، هي الاحتلال وتشريد الشعب الفلسطيني. أما القضية الآنية التي يجب طرحها فتتمثل في فشل عملية السلام أو: ((موت عملية السلام)) حسب التعبير الذي استخدمه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. هاتان هما القضيتان اللتان يحاول كتابنا المتأمركون التغطية عليهما. أما الدافع الرئيس لهؤلاء الكتاب فيتمثل في الرغبة في الهرب من طرح بدائل عملية لعملية السلام! إن تجاهل قضايانا الأساسية والبحث عوضاً عن ذلك في دوافع ونوايا الأشخاص الذين يساندون الحق العربي، هو محاولة لشخصنة القضايا المصيرية للأمة، مما يؤدي إلى النظر إلى الصراع العربي الإسرائيلي بوصفه عارضا سياسيا يحتمل مناقشة مختلف وجهات النظر، وليس بوصفه قضية وجود لأمة بأكملها. وطبعاً فإن وجهات النظر المختلفة تبدأ من الاستسلام التام للعدو، وتمر بالتنسيق الأمني والعسكري معه، وتنتهي عند التخلي عن أية مطالب مشروعة بما فيها وقف الاستيطان نفسه. إنه منهج المتأمركين الجديد.