ركبت القطار في حياتي أربع أو خمس مرات. مرتان منها في المملكة. الأولى في فترة التحول من الطفولة إلى الشباب. أول مرة أسافر مع الشلة. كانت رحلة متعددة الأهداف. تجربة بداية النضوج وتجربة ركوب قطار وتجربة التفرج على الأمريكيات على شاطئ الهاف مون. أنجزت كل الأهداف بنجاح. جاءت السفرة الثانية على نفس القطار قبل أقل من سنتين. إذا كان هناك تغير عبر هذا الزمن الطويل يكون حصل لي وليس للقطار. القطار مازال على شكله وبطئه القديم. قد تكون تجربتي مع القطارات الأجنبية أضافت شيئا من التعاسة على تجربتي الثانية. على ما أتذكر كان القطار مذهلاً في الأولى وكسولاً في الثانية. أمضت البلاد سنوات طويلة مكتفية بسكة الرياضالدمام. لا أعرف هل يعود السبب إلى عدم جدوى القطارات اقتصاديا أم أن هناك مشكلة في النمو الاقتصادي عبر كل هذه السنوات. في كل مرة أزور فيها مكةالمكرمة أول شيء يطرأ على بالي قطار الأنفاق. أتخيل أن هناك قطارات تنطلق من كل أنحاء مكة وتصب تحت الحرم مباشرة. يستطيع الإنسان أن يسكن في أي مكان في مكة -حتى في جدة- ويؤدي صلاته في الحرم ثم يعود مرة أخرى من حيث جاء دون أن يرى المنطقة الواقعة خارج الحرم برمتها. ستنخفض قيمة العقارات التي تحيط بالحرم ويخف الزحام ويحصل كل زائر على فرصته في الطواف بالبيت أو الصلاة دون عناء. طبعا هذه أحلام رجل عادي لا أحلام اقتصادي أو مهندس. أكيد فكر فيها أصحاب الشأن وأعرضوا عنها لعدم جدواها أو لعدم قطع أرزاق أصحاب العقارات المحيطة بالحرم. نعيش هذه الأيام حمى القطارات. لفت نظري من بينها قطار المشاعر. طوله حوالي ثلاثون كيلومتراً وكلفته أكثر من ستة مليارات. تنتشر هذه الأيام صور لعرباته. تصميمها على الطراز القديم. لا تختلف عن شكل قطار الرياضالدمام. أظن أن هذه الصور ملفقة. لا يمكن أن تكون هذه صوراً لقطار كلف أكثر من ستة مليارات. احمل المسؤولية إدارة تنفيذ هذا القطار والصحف الرسمية المحترمة. بحثت عن مصدر رسمي يعطي معلومات وصور عن هذا المشروع فلم أجد. اضطررت أن ألجأ إلى قوقول. وقعت على موقع (www.railway-technology.com ) يعطي هذا الموقع معلومات مختلفة عن هذا المشروع. تختلف جذريا عما يدور في الإنترنت ما عدا السعر(1.8) بليون دولار.شكله من القطارات التي تعرف ب(monorail). حسب ما يظهر في الصورة يبدو أفخم وأجمل من قطار دبي. الله أعلم أين الحقيقة. نشرت جريدة الرياض قبل عدة أيام خبر العقد الذي أبرمته مصلحة معاشات التقاعد مع شركة سعودي أوجيه لإنجاز قطار في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية طوله حوالي ثلاثة كيلومترات ونصف بكلفة 900 تسعمائة مليون ريال. اسندته سعودي أوجيه حسب ما جاء في الخبر إلى شركة كندية لتنفيذه. لو أن الإخوة في مصلحة التقاعد ما استعجلوا وشاوروني كان قلت لهم لا داعي لهذا المشروع. ثلاثة كيلو يجزرها الماشي مع اللي جنبه إلا إذا كان الهدف من بنائه نقل الشياب المتقاعدين فعلى بركة الله!.