انطلقت فعاليات كأس العالم اليوم الجمعه 11 يونيو 2010 الموافق 28 جمادى الآخرة 1431 ه وسط تظاهرة اعلامية غير مسبوقة وحضور لافت لكبار الشخصيات ومتابعة محمومة من عشرات بل مئات القنوات الفضائية وترقب وتوجس، وقد رافق انطلاق البطولة قرب الاختبارات النهائية التي يعاني فيها الطلبة من هذا التضارب النكد للمرة الثانية والتوفيق مابين الاختبارات ومتابعة الكرنفال الذي سيستمر أكثر من ثلاثة أسابيع. تنطلق تلك البطولة والعالم يغص بالمشكلات والإحباطات والاغتيالات والتربصات والانبطاحات والاستسلامات والتنازلات والخيانات والمجاعات والتحالفات والتصادمات والفيضانات والاختلافات. خليط متجانس وغير متجانس من الأحداث يشهدها هذا الكوكب على مدار كأس العالم الذي يتنافس فيه المتنافسون ويحشدون كل امكانياتهم ليحققوا أفضل المراكز ويجندون الإعلام والمال والشعب لمؤازرة الفريق. مانتيجة هذا السباق المحموم؟ النتيجة كأس ذهبية وتتويج يمتد لأربع سنوات ينفق في هذا العرس الكروي مليارات الدولارات. إن هذا التنافس المحموم والمنزلق العاثر في الاستعداد لهذا المهرجان الكروي ليدل على مدى التخبط الذي تعيشه البشرية في ظل المحن والإحن والنكبات التي تحيط بنا صباح مساء. إن الاستعداد ببناء ملاعب مجهزة بأحدث التجهيزات بتكاليف عالية جدا ولفترة محدودة هي فترة انعقاد الدورة هو بلا شك خلل في الموازين وارتكاس في المفاهيم في الوقت الذي نشهد فيه الملايين يتضورون جوعا في إحصائيات مخيفة مرعبة ولا يتحرك العالم المتحضر لنجدتهم إلا في أضيق الحدود وعلى استحياء. مرض الإيدز الذي فتك ولازال، والفقر الذي أهلك ولازال، والجوع الذي دمر ولازال كلها بواقع تفتك في الجسد العالمي، وفي المقابل نرى هدي الإسلام يتمثل في نصوص أكثر من أن تعد فهذا نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس منا من بات شبعان وجاره جوعان، وهذه فريضة الزكاة التي تسد رمق الجوعى وتواسي الفقراء هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهذا نبي الهدى عليه السلام يقول: لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه. إن الإسلام جاء لترشيد المال وصرفه فيما يعود بالنفع لاالإنفاق الباذخ الذي نراه في العديد من الكرنفالات وفي الحملات الإنتخابية وفي كسب الولاءات. عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ لِي يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى. إن المال في الإسلام وسيلة وليس غاية، وأعجب من الذين يكنزون الأموال وينفقون سحابة أعمارهم في ذلك ثم يرحلون مخلفين وراءهم ماينوء بحمله العصبة أولوا القوة. كأس العالم أصبح موضة نشهدها في كل شيء فكأس العالم في الجمال وكأس العالم في القبح وكأس العالم في القوة وكأس العالم في أنواع الرياضات وكأس العالم في الحيوانات وكأس العالم في البدانة وهلم جرا. المفارقة العجيبة أن محمدا صلى الله عليه وسلم حاز كأس العالم في كل شيء بشهادة الأعداء قبل الأتباع ومع ذلك كان يبيت طاويا وكان يربط على بطنه الحجر من شدة الجوع. إن الإسلام جاء دينا عمليا يشجع التنافس الشريف وأنواع الرياضات في حدود رسمها في غير ماإسراف ولاتبذير ولارياء ولابذخ. والمفارقة الأخرى سعي بعض المنظمات في كأس العالم بجنوب أفريقيا على شرعنة البغاء من أجل الترفيه على اللاعبين وضيوف المهرجان. إن الأرقام الفلكية التي تصاحب انتقال اللاعبين من أندية إلى أخرى تحتاج إلى أكثر من وقفة من الضمير العالمي الذي صار يلهث في هذا الخضم المتلاطم الأمواج ويسبح في بحر من التناقضات على كافة الصعد حتى صار المال غاية تتوقف عندها كل الغايات وهدفا تتواضع عنده كل الأهداف.