محمد بن عبدالله المشوح - عكاظ السعودية لا أحد ينكر أثر الإعلام سلبا أو إيجابا على عقول المجتمع وتربية الأفراد وصياغة الأفكار وغرس القيم وتحقيق الأهداف. والفضاء الإعلامي المشرع اليوم تداعى إليه مستثمرون وغيورون وعقلاء والجميع يرغب أن يأخذ بنصيب وافر من هذا الحمى المباح. وإذا كان هناك ثمة إدراك من قبل الكثيرين أن العبث والهبوط والإسفاف الأخلاقي الواقع من كثير من المحطات والقنوات الفضائية قد دفعهم إلى البحث عن بدائل للمجتمعات المسلمة تحفظ معها قيمها وأخلاقها. إلا أن من المؤسف غياب رؤية جماعية موحدة لتلك الجهود مما انعكس على واقع تلك الفضائيات التي تعمل بشكل فردي بحت بعيدا عن روح التخطيط الجماعي إضافة إلى التفكير برؤية التجمعات والتكتلات الإعلامية بدلا من هذا الغثاء الإعلامي. وقناة دليل هي إحدى القنوات التي أحسب أنها نبعت من فكرة صالحة تسعى للحد من ذلكم العبث الأخلاقي الذي نخر في مجتمعات العرب والمسلمين. إلا أن ذلك ليس كافيا حسب نظري فليست النوايا كافية إن لم تقترن بأفعال جادة رصينة تحقق تلك الآمال وتصدق تلكم النوايا. وقناة «دليل» أيضا بدأت كغيرها في الأفق بداية متواضعة على طريقة «من سار على الدرب وصل»، إلا أنها ما زالت تراوح مكانها آداءً ومضمونا. أما ما يستحق التوقف ووعدت القراء به في المقال السابق متفقا فيه مع الزميل الصديق الدكتور محمد الهرفي حول برنامج «البيان التالي» والذي يقدمه الزميل عبد العزيز قاسم الذي استطاع عبر نجاحاته الصحافية السابقة أن يخترق تلك البروتوكولات الأكاديمية مؤكدا أن الإعلام لا تصنعه قاعة أو تزفه جامعة فهو المتخصص في الرياضيات والقادم من قلعة التعليم ومع ذلك استطاع خلال سنواته الصحافية الماضية أن يقدم رؤية إعلامية صحافية مميزة. لولا تلك الهنة التي نقلها الأخ عبد العزيز إلى موقعه الآخر في الإعلام المرئي في قناة دليل وتحديدا «البيان التالي» والمتمثلة في اللهث وراء التصنيف والإيغال في التقسيم ولطالما شعرت بقشعريرة وأنا استمع إلى كلماته التي يصدر بها أحاديثه حين يصنف الرأي والفكرة بأنها يتحمس لها «الإسلاميون» ويرفضها «الليبراليون»، ويصدر أحاديثه وتقديماته لضيوفه بتلك التصنيفات الفكرية والحزبية والدخيلة على مجتمعنا. وأخاطب الأخ عبد العزيز وهو السابر والمطلع على واقع المجتمعات المجاورة التي نخرت فيها الحزبيات والتقسيمات التي تلقفها شبابنا الصغير فسمع بأن الكاتب الفلاني «ليبرالي»، فشحنت قواه وجيشت مشاعره نحو ذلكم الخصم اللدود للإسلام كما يزعم مع عدم علمه بمدلول الكلمة ومآلها. فمفهوم «الليبرالي» و «العلماني» و«العصراني» عنده هي المخالفة المقتضية للمعاداة. وفي نظري أن نشر هذه الألفاظ والتصنيفات أداة ووسيلة إلى أن يتحول مجتمعنا إلى مجتمع تنخر وتدب فيه روح الخصام لا الاختلاف. ذلك أننا نؤمن أن ثمة اختلافات وفروقات وتباينات في الطرح والرؤية والتفكير بين المراجع الشرعية والأطياف الفكرية والثقافية. إلا أن دور الإعلام ليس دور تكريس للفرقة والخلاف وفق منظومة التصنيف والتقسيم التي لا تستوعبها العقول فضلا عن التجارب التي اكتوت بنار الحزبية والتقسيمات فعاشت في أتون مستعرة سواء في الانتخابات أو المجالس أو المنتديات يدركها العقلاء من القوم وأحسب أن يكون الصديق عبد العزيز منهم. [email protected] فاكس: 014645999