ليسمح لنا الأستاذ جمال خاشقجي باستعارة مقولته "صنّاع الكوابيس" لنصف بها بعض المذيعين السعوديين الذين استمرأوا العزف على وتر صراع التيارات حتى تحولت برامجهم إلى "محطة" لشحن الكراهية و"مشرطاً" قسّم المجتمع السعودي إلى أحزاب وشيع متناحرة بين ليبرالي وإسلامي وشيعي وسني وسروري وجامي إلى آخر هذه التصنيفات التي يتغذّى على صراعاتها إعلامٌ غير مسؤول. هؤلاء يصنعون الكوابيس للمجتمع ويشوّشون على بناء الدولة وكل همهم -فيما يبدو- أن يحققوا لبرامجهم أوسع انتشار ممكن ولا يكترثون بعد ذلك لنتائج خطابهم المشحون بالفتنة والكراهية. وإن أحسنا الظن بهم وقلنا إن نواياهم سليمة فعلاً ويبغون بها صلاح المجتمع وعلاج مشاكله، فهل الأسلوب الذي يتبعونه هو الأسلوب الأنجع لذلك؟. خاصة في هذا الوقت الحرج الذي يعيشه مجتمعنا وسط محيط عربي مليء بالقلاقل؟. لقد حذر خادم الحرمين -حفظه الله- في خطاب قديم من المساس بوحدة المجتمع رافضاً تقسيم أفراده إلى فئات متناحرة، ومع ذلك نرى اليوم برامج تُصرّ على تجاوز هذا التوجيه السامي وتُكرّس لخطاب التقسيم والتصنيف وتشحن أفراد المجتمع ضد بعضهم البعض، ولو أردنا تحديد مثال واضح لهذه البرامج فلن نجد أفضل من برنامج "ديوانية الدانة" الذي يكفيك أن تتابع حلقة واحدة منه لتشعر أن السعودية مقبلة على حرب أهلية بين الإسلاميين والليبراليين وأن هناك مؤامرة خطيرة يحيكها مسئولون في الدولة مع المثقفين ضد الإسلام!. هذا بالإضافة إلى طرحه غير المسؤول لقضية عائلية خاصة وبثها على الملأ دون أي إحساس بالمسؤولية؛ وأعني هنا قضية العم محمد بدوي وابنيه رائف وسمر. في "الديوانية"، وبعد مشاهدة حلقات عديدة، لن تجد إلا ثلاثة عناصر رئيسة: الأول أن هناك أفراداً "عملاء خونة" ينتشرون في المجتمع يريدون القضاء على الإسلام، والثاني: التشكيك في نزاهة مسؤولين ووزراء في الدولة، والثالث: كراهية أفراد المجتمع المختلفين عنك في أفكارهم وأساليب حياتهم. والمؤسف أن البرنامج يقدم كل هذه المساوئ دون دلائل تثبتها، فقط إطلاق التهم على عواهنها وتكريس نظرية المؤامرة دون دليل بيّن ملموس، وقد ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي كيف أن أحد ضيوف البرنامج أخذ يحذر من معرض الكتاب وهو لا يملك معلومة دقيقة عن محتويات المعرض. شخصياً أنا معجب بمذيع البرنامج الزميل رياض الودعان وأحترم حماسته وشجاعته وإخلاصه، إلا أنني أرى في الوقت نفسه أنه أخطأ الأسلوب وتبنّى خطاباً غير مهني وغير مسؤول، لذا أتمنى منه أن يكون موضوعياً في طرحه وأن لا يجعل من برنامج "الاتجاه المعاكس" سيىء الصيت قدوة له، والمهم أن يدرك أن أسلوبه هذا إنما يذكي نار الفتنة في المجتمع، ويهدد سلمه وأمنه، ويصنع "الكوابيس" التي قد يتأثر بها البسطاء المشحونين بخطاب الكراهية فيعملون على "قتل" من يخالفهم، وقد حصل شيء من ذلك قبل سنوات حين اتصل مُشاهد على المذيع الودعان نفسه يوم أن كان في قناة الاقتصادية وقال له بالحرف: إنه سيقتل أحد الكتاب الصحفيين!. فهل ننتظر حتى يصل المجتمع بأكمله إلى هذه النتيجة؟.