منذ شهر تبعات كارثة غرق جدة مستمرة. حي أم الخير الذي غرق مرتين في بحر هذا العام تحول إلى منطقة أشباح، بعد أن هجر سكانه منازلهم وقرروا بشكل جماعي العيش في مناطق أكثر أمناً، سواء لدى أقربائهم في الأحياء الجافة أو داخل شقق الإيواء التي وفرتها الدولة. بينما تدور رحى معارك ضارية بين أهالي حي قويزة وأسراب الحشرات التي استوطنت مستنقعات المياه ولا تزال تفرض سيطرتها على جنبات طرقات الحي!. وبنبرة حازمة تحدث أحد سكان مخطط أم الخير السكني محمد العايد إلى «الحياة» عن حال حيهم المهجور، «أجمع السكان على عدم العودة إطلاقاً إلى الحي إلا بعد التأكد من تنفيذ مشاريع تضمن سلامتنا، ولا بد من إقامة سدود وتنفيذ مشاريع لتصريف مياه السيول بعيداً عن منازلنا التي باتت تغرق مع كل انهمار للغيث. حيّنا بات مهجوراً، إذ لم يعد إليه أحد من الأهالي الخائفين على سلامتهم وأبنائهم في ظل غياب الحلول الناجعة لمشكلات التصريف»، معتبراً عودة شريان الحياة إلى حي أم الخير مغامرة، خصوصاً أن إمكان هطول أمطار غزيرة على جدة لا يزال قائماً. ولخص معاناة حيهم في أزمة تحويل مجاري سيول واديي قوس وأم مريخ بواسطة عقوم ترابية باتجاه واد يقطع حيهم، ما يزيد من كمية المياه التي تجتاح منازلهم وتغرقها. ويرى أن الحلول التي طرحتها أمانة محافظة جدة الساعية إلى تكبير مجرى القناة التي حولت عليها مجاري الواديين وغيرها من المشاريع لم تنفذ، «إذ اكتفت بوضع سور من «بلوكات الأسمنت» أغلقت به الجزء الشمالي من الحي!. وكما هو معروف لدى الجميع فإن مشكلة حيّنا تكمن في خفضه عن بقية أجزاء حي النخيل من الناحية الجنوبية الغربية ما يعني تكدس مياه الأمطار والسيول في شوارع حيّنا ودهمها منازلنا مرة أخرى، خصوصاً في ظل غياب قنوات التصريف في حال فيضان الشوارع بالمياه». ولفت إلى خسائر مادية فادحة تكبدها سكان «أم الخير» هذا العام، بعد أن دهمت المياه منازلهم مرتين جرفت في كل منهما محتويات مساكنهم التي ما فتئوا يعيدون تأهيلها حتى يغرقها المطر ويتلفها. «صرنا نخاف من تأثيث منازلنا، لخشيتنا أن تهطل الأمطار من جديد وتدمر ممتلكاتنا». وشدد على أن أهالي الحي لن يعودوا إلى مساكنهم إلا بعد التأكد من تنفيذ مشاريع تصريف مياه الأمطار بشكل لا يهدد أمنهم واستقرارهم. في غضون ذلك، تستعر حرب طاحنة في النواحي الشرقية المتاخمة لحي أم الخير بين أهالي «قويزة» وأسراب الحشرات التي وجدت في مستنقعات المياه المتفشية هناك بيئة مثلى للعيش، خصوصاً بعد امتزاج المياه العذبة بمياه الصرف الصحي!. ويشير أحد سكان الحي محمد المطيري بسبابته اليمنى صوب إحدى برك المياه، بينما يقول ل «الحياة»: «أسهمت كثرة تجمعات المياه في تفشي الحشرات داخل الحي وتهديد السكان بالكثير من الأمراض والأوبئة، إذ أصيب غالبيتهم بحمى الضنك والالتهابات الرئوية». وأضاف أن أوضاع حيهم لم تتغير منذ عامين، فالشوارع لا تزال على حالها متكسرة ومليئة بالحفر، وإن كان ارتفاع منسوب المياه داخل الحي هاجسهم الأكبر. وينادي بضرورة إيجاد حلول ناجعة وعاجلة لمشكلات حيهم على أن تكفل تخليصه من تجمعات المياه والقضاء على الحشرات. ويوافقه جاره أحمد الزهراني الرأي، «نعاني من ارتفاع منسوب المياه داخل حيّنا، حتى بتنا نخشى أن تنهار منازلنا، خصوصاً أن منسوب المياه الجوفية لم يخفض على رغم شفطها بين الفينة والأخرى»، مؤكداً أن الوضع داخل «قويزة» يتفاقم سوءاً يوماً بعد آخر، لا سيما في جوانب انتشار الحشرات جراء وجود المستنقعات المائية بكثرة داخل الحي، ما أدى إلى تفشي الأمراض بين الأهالي. وأفصح الزاهرني عن استمرار مشكلات حيهم التي ظهرت للعيان عقب كارثة غرق جدة الأولى. «نعيش مأساة منذ عام وثلاثة أشهر، إذ ما زال المكان كما كان ولم تطرأ أي تحسينات على حينا المغلوب على أمره». ووصف أحد قاطني حي المساعد (شمال قويزة) التحسينات التي أحدثتها أمانة محافظة جدة ب«البسيطة». وقال ل «الحياة»: «لا تزال شوارع الحي ترابية ومليئة بالحفر التي تحبس المركبات الصغيرة عن السير على قارعة بقايا طرقاتنا». وأضاف أن ارتفاع منسوب المياه داخل الحي واختلاط مياه الصرف الصحي بالمياه العذبة الذي أسهم في كثرة المستنقعات داخل الحي بات هاجساً يرعب السكان المشغولين بمحاربة القوارض وأسراب الحشرات الطائرة.