عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية السؤال أنا أعمل في البنك، وهناك إجماع عام بين العلماء على تحريم مثل هذا العمل، وأنوي تغيير هذا العمل، لكنني في الوقت الحالي لا أجد عملا بنفس الدخل، وأنا أدعو الله سبحانه أن يهديني ويساعدني. هل أنا مذنب في وضعي الحالي مع نيتي في تغيير مهنتي؟ وهل على زوجتي وأولادي أي حرج من وضعي؟. الجواب بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم" [البقرة:32]، وبعد: العمل في البنوك التي تتعامل بالمحرمات كالربا ونحوه لا يجوز؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله في كتابه: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب" [المائدة:2]، ولحديث جابر – رضي الله عنه- قال: "لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- آكل الربا ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال هم سواء" رواه مسلم(1598). يقول الإمام النووي – رحمه الله-: (هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابين، والشهادة عليهما، وفيه تحريم الإعانة على الباطل). وقولك – يا أخي-: (إنك لا تجد عملاً بنفس الدخل)، لا يسوغ لك هذا التعامل، بل حتى لو لم تجد إلا هذا الدخل فلا أرى إباحة هذا التعامل، ومن صدق مع الله في تعامله، وابتغى رضاه يسر الله أمره، وفرج عنه كربته، وعوضه خيراً مما هو فيه، ورزقه من حيث لا يحتسب؛ يقول تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب"[الطلاق:2-3]، ويقول جل وعلا: "والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون" [النحل:41] ، يقول الإمام ابن كثير – رحمه الله- في تفسير الآية الأخيرة: (فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم الله خيراً منها في الدنيا، فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله بما هو خير له منه، وكذلك وقع؛ فإنهم مكن الله لهم في البلاد، وحكمهم على رقاب العباد، وصاروا أمراء حكاماً، وكل منهم للمتقين إماماً، وأخبر أن ثوابه للمهاجرين في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا). وعليك – يا أخي – بترك هذا العمل المحرم فوراً؛ إذ امتثال النهي يكون بترك المنهي عنه على الفور والدوام، ولا تكفي النية الحسنة مع القدرة على الامتثال بالترك. كما عليك الحذر من أكل الحرام وأسبابه، وألا تطعمه أهلك وأولادك؛ لما روى أبو هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم" [المؤمنون:51]، وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" [البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك" رواه مسلم(1015). يقول ابن رجب – رحمه الله – في قوله تعالى: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعلمون عليم" [المؤمنون:51]: (المراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال وبالعمل الصالح، فما كان الأكل حلالاً فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولاً). وعن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: (تليت هذه الآية عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً" [البقرة:168] فقام سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله أدع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم-: "يا سعد: أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به") رواه الطبراني(6495) وفي إسناده نظر. وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا، حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة" أخرجه أحمد(6652)، وحسن إسناده الهيثمي. وأسوق لك – أخي المبارك- بعض النقول عن السلف للعظة والاعتبار، فمن ذلك: ما قاله أبو عبد الله النباجي الزاهد – رحمه الله-: (خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بمعرفة الله –عز وجل-، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل لله، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم يرتفع العمل، وذلك إذا عرفت الله –عز وجل- ولم تعرف الحق لم تنتفع، وإذا عرفت الحق ولم تعرف الله لم تنتفع، وإن عرفت الله وعرفت الحق ولم تخلص العمل لم تنتفع، وإن عرفت الله وعرفت الحق وأخلصت العمل ولم يكن على السنة لم تنتفع، وإن تمت الأربع ولم يكن الأكل من حلال لم تنتفع). وقال وهب بن الورد: (لو قمت مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل في بطنك حلال أم حرام). والله أعلم.