إن من أحاديث سيدي النبي المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- ما له عظيم الأثر في حياة المسلمين إن حققوا ما طلب منهم فيه وحثهم عليه بما يرضي عنهم ربهم عز وجل، فإذا حققوه صلحت مجتمعاتهم، ومن ذلك ما رواه أبوهريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إن كُنتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب.. يا رب.. ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له)، فربنا عز وجل منزه عن النقائض كما ورد في الحديث (إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة، وجواد يحب الجود)، وهو لا يريد من عباده أن يكتسبوا من الأخلاق والأعمال والأموال إلا الطيب، والقرآن الكريم قد فرق بين الطيب والخبيث فقال الله تعالى: (قُل لاَّ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ)، فالطيب قليل وقليل فاعله، والخبيث كثير ومن يسعون إليه كثر لهذا وصف ربنا عز وجل سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بأنه يحل الطيبات ويحرم الخبائث فالمسلم الممتثل لأمر الله عز وجل المقتدي برسوله عليه الصلاة والسلام المتبع لكل ما جاء به هو من لا يصدر عنه من الأقوال إلا الطيب (إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)، فالمؤمن كله طيب قلبه ولسانه وجسده أيضاً، بما سكن في قلبه من الإيمان، وظهر على لسانه من الذكر، وعلى جوارحه من الأعمال الصالحة، والتي هي ثمرة إيمانه، وأعظم ما يحصل به هذا الطيب أن يطيب المسلم مطعمه، وأن يكون كل ما يطعمه حلالاً طيباً اشتراه بالطيب من ماله الذي لم يخالطه حرام أبداً، حتى وإن قل، فبهذا يزكو عمل المؤمن، فالرسل مأمورون مع أممهم بالأكل من الطيبات التي هي الحلال المحض، وبالعمل الصالح، ومادام الأكل حلالاً فالعمل الصالح مقبول مثاب عليه، وأما إذا كان طعامه غير حلال فلن يكون عمله مقبولاً، فأهم ما يميز الأكل من الحلال الطيب أن يكون فاعله مستجاب الدعوة، فإذا رفع يديه إلى الله أجابه، لذا قال سيدي رسول الله –صلى الله عليه وسلم – لمن سأله أن يدعو له أن يكون مستجاب الدعوة (اطب مطعمك تستجب دعوتك)، وهو هنا يخبرنا عن إطالة السفر، وزمن السفر في الطاعة زمن فاضل تستجاب فيه الدعوة، إلا أن مطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فيجهد نفسه في الدعاء فلا يستجاب له، قد حال الحرام دونه ودون الإجابة ولعل هذا من أسوأ ما يتعرض له مؤمن، لا يرجو شيئاً إلا من الله، له يحيا وبفضله يعيش، فإذا ضاقت به الدنيا، علم ألا منجى منه إلا إليه، فكيف إذا سد الباب بينه وبين الله، فحرم إنعام المنعم عليه بما يزيل عنه ما به من ضيق، وبفعل من نفسه استكثاراً من زخرف الدنيا فاكتسب الحرام، حتى خالط طعامه وشرابه وملبسه، ونما منه جسده، حمانا الله من شر الخبيث كله قولاً أو فعلاً، فإننا عباد الله نعلم يقيناً أن ليس لنا سواه معين، فلنحافظ ما استطعنا على أن يكون كلامنا الطيب الذي يرضي الله عنا، وأن تكون مكاسبنا من طرق مشروعة ننمي بها ذواتنا وأموالنا، فنطعم حلالاً طيباً، لهذا سادتي رأى بعض الصالحين أن تمام العمل لا يكون إلا بخمس خصال: الإيمان بمعرفة الله عز وجل ثم بمعرفة الحق، ثم بالإخلاص لله عند أداء الأعمال، وأن تكون أعمالنا على السنة والطريقة التي بينها سيدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للناس، ثم بأكل الحلال، وقد يغفل كثير من الخلق عن هذا فتأتي أعمالهم عارية عن كل هذا، فإذا هي هباء لا قيمة له، ولا يتخيل أحد أن يمد يده إلى مال حرام، ويبرر لنفسه إنما الحرمة على من اكتسبه وأنت إذا علمت أنه اكتسبه من حرام يقيناً فلست معذوراً في تشاركه فيه وتقبله منه، فالأولى بالمسلم أن يجتهد في اكتساب الحلال الطيب، وأن يجتنب المحرم، ليكون المؤمن الطيب الذي يحبه الله -- وإذا اقبل عليه يدعوه أيقن أنه سيجيبه، حتى وإن أخَّر عنه الإجابة حيناً، فلعل منها ما يدخر له إجابته في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، يوم لا نفع لدرهم فيه ولا دينار وإنما هي الأعمال ما صلح منها ربح صاحبه، وما خسر إلا من حمل منها الخبيث وفعله، فالأعمال الصالحة الطيبة، وكذا الأقوال والمعتقدات لها في ميزان الأعمال الثقل الذي يقود إلى الجنة، فالنجاة في الآخرة هي لمن استمع إلى القول فأتبع أحسنه، لمن اتبع ما أرشد إليه سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فائتمر بأمره، وانتهى عما نهاه عنه، جعلني الله وإياكم ممن يتبعونه بإحسان، إنه سميع مجيب الدعوات.