حذر إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط من الكسب الحرام، مبيناً انه يفسد العمل ويمنع القبول. وقال في خطبة الجمعة امس ان طلب الرزق بسلوك سبيل المعصية نذر شؤم وسبب حرمان. ومضى بالقول (حب المال والتعلق بطلبه والشغف بجمعه والحرص على تنميته ودوام العمل على حراسته من الغوائل وكذا صيانته من الآفات مركود في الفطر مستقر في العقول ومستحكم في النفوس. وفي بيان قوة هذا الحب وكمال هذا التعلق وتمام هذا الحرص جاء قوله تعالى(وتحبون المال حبا جما)وقوله عز اسمه في وصف الإنسان (وانه لحب الخير لشديد)وقول نبي الرحمة والهدى صلوات الله وسلامه عليه(قلب الشيخ شاب على حب اثنتين حب العيش أو قال طول الحياة وحب المال). وأضاف فضيلته وقد كان هذا الحب الشديد جديرا بأن يذهب بصاحبه كل مذهب خليقا بأن يركبه كل مركب لبلوغ غايته في إصابة أوفى نصيب منه. غير أن الله تعالى لم يدعه وحيدا أمام سحر بريقه أسيرا لفتنته يخبط خبط عشواء في جمعه وإنفاقه بل أقام له معالم وحد له حدودا ورسم له طريق سير يفضي بسالكه إلى خير غاية وينتهي به إلى أكمل مقصود وهو طريق دل عليه ما جاء في كتاب ربنا وسنة نبينا صلوات الله وسلامه عليه من بينات في آيات محكمات وسنن واضحات وفي الطليعة من ذلك جاء الثناء على المال الصالح يرزقه العبدالصالح المطيع لله المستقيم على أمره الحافظ لحدوده في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم(يا عمرو نعم المال الصالح مع الرجل الصالح). وتابع فضيلته وإنما يكون صلاح هذا المال بحل أصله وهو حديث بإسناد صحيح وطيب كسبه ومشروعية مصدره. وهذا يستلزم التنزه عن أكل الحرام الخبيث الذي يضر آكله بإثمه ويكون وبالا عليه.جاء في الحديث (إن الله طيب لا يقبل الا طيبا وان الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث اغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك). وقال وهذه إشارة كما قال أهل العلم بالحديث إلى انه لا يقبل العمل ولا يزكو إلا بأكل الحلال وأن أكل الحرام يفسد العمل ويمنع القبول. والمراد أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال وبالعمل الصالح فمادام الأكل حلالا فالعمل صالح مقبول فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولا. وفسر فضيلته ذلك بالقول : ولذا كانت الصدقة بالمال الحرام مردودة غير مقبولة كما في الحديث (لا يقبل الله صلاة من غير طهور ولا صدقة من غلول وهو الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها على مستحقيها)وفي الحديث (إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك ومن جمع مالا حراما ثم تصدق به لم يكن فيه اجر وكان أصره عليه. وفي الحديث (من اكتسب مالا من مأثم فوصل به رحمه أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك كله جميعا فقذف في جهنم). وقال فضيلته : ان الأمر ليس مقتصرا على هذه الآثار مع شدتها وعظم التضرر بها بل انه ليربو على ذلك ويبلغ غاية حين ينتهي بصاحبه إلى نار الجحيم يوم القيامة كما جاء في الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا كعب بن عجرة انه لا يدخل الجنة لحم نبت في سحت والسحت هو الحرام في كل صوره كأكل الربا واكل مال اليتيم واخذ الرشا ومهر البغي وهو ما تأخذه أو ما تعطاه لقاء بغائها وحلوان الكاهن وهو ما يأخذه أجرا لكهانته وما يؤخذ أجرا لبيع المسكرات والمخدرات وكافة أنواع البيوع التي حرمها الله ورسوله من مطعومات ومشروبات وملبوسات ومتخذات لتزين ونحوها مما هو مبسوط مفصلا بدليله في كتب أهل العلم. وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا كعب بن عجرة انه لا يربو لحم نبت من سحت الا كانت النار أولى به. وإنها لنهاية مرعبة ومصير مفزع تقض له مضاجع أولي النهى وتوجب تفتح الوعي لإدراك سبيل النجاة والظفر بأسباب السلامة والحظوة بمسالك العافية التي قد تأتي في الطليعة منها تقوى الله تعالى والاستحياء منه حق الحياء فانه من اطهر الأسباب التنزه عن أكل الحرام. واورد فضيلته ما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي في جامعه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه انه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حق الحياء قال قلنا يا نبي الله إن لنستحيي والحمد لله قال ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى وتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء. وحفظ البطن وما حوى أي ما وضع فيه من طعام وشراب بان يتحرى الحلال منهما وأن يوقن بأن ما قسم له من رزق فإنه سوف يستوفيه بتمامه قبل مماته فلا يحمله استبطاء الرزق على طلبه بسلوك سبيل المعصية فإنها نذير شؤم وسبب حرمان كما جاء في الحديث الذي أخرجه البزار رحمه الله في مسنده بإسناد صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه انه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلموا إلي فاقبلوا إليه فجلسوا فقال هذا رسول رب العالمين جبريل نفذ في روعي انه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وان أبطا عليها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله فان الله لا ينال ما عنده الا بطاعته وان يذكر على الدوام أن الله سائله يوم القيامة عن المصدر الذي اكتسب منه ماله وعن الوجوه التي أنفقه فيها سؤال تقرير ومحاسبة يكون من بعدها الجزاء العادل ولا يظلم ربك أحدا. كما اورد فضيلة الشيخ الدكتور أسامة خياط ما جاء في الحديث: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه في ما فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه وان يعلم أن قليل المال الذي يكفيه خير له من كثير المال الذي يلهيه عن كل ما يصلح به أمره وتستقيم به حاله في دينه ودنياه. كما جاء في الحديث قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإنما قل وكفى خير مما كثر وألهى). وبين فضيلته أن دوام النظر في هذه الشواهد النصوص وتكرار التأمل فيما دلت عليه وأرشدت إليه ليوثر الناظر المتأمل المتفكر ملكة ورهافة حس تبعثه على توخي الحلال الطيب والتنزه عن الحرام الخبيث في مطعمه ومشربه وملبسه وشانه كله واضعا بذلك لبنة من لبنات الإصلاح في بنيان المجتمع داعيا غيره إلى أن يحذوا حذوه ويسيروا سيره مبينا حسن العقبى فيه بشروع البركات عموم الخيرات والسعادة في الحياة وبعد الممات والحظوة برضا رب الأرض والسموات. كما أوضح أن الأصل في الأعيان الإباحة أكلا وانتفاعا وان المحرم نوعان محرم لذاته وهو الخبيث الذي هو ضد الطيب. ومحرم لما عرض وهو المحرم لتعلق حق الله أو حق عباده به وهو ضد الحلال وفيها أيضا دليل على أن الأكل بقدر ما يقيم البنية واجب يؤثم تاركه. ودعا فضيلته المصلين إلى تقوى الله قائلا :اتقوا الله واذكروا أن السلف الصالح رضوان الله عليهم كان يشتد خوفهم على أنفسهم من قوله عز اسمه (إنما يتقبل الله من المتقين) فخافوا أن لا يكونوا من المتقين الذين يتقبل منهم. هذا مع كمال تقواهم وتمام إخلاصهم لله وشدة تحريهم لمراضيه وأكلهم الحلال الطيب وتنزههم عن الخبيث الحرام. وفي المدينةالمنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ عبدالمحسن القاسم المسلمين بتقوى الله عز وجل إذ أن بها تستجلب النعم وبالبعد عنها تحل النقم. وقال فضيلته في خطبة الجمعة امس” خلق الله العباد لعبادته وبين لهم طريق الهداية من طريق الضلالة فمن أطاعه نال السعادة ومن عصاه أعد له عذابا شديدا مستشهد بقوله تعالى (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ) , وأضاف يقول أن الله سبحانه قوي قدير إذا نزل عذابه لم يرده أحد ولهذا حذر العباد من نفسه وغضبه وعذابه. وزاد فضيلته (والعقوبة الألهيه سنة من سنن الله التي لاتتغير ولا تتبدل ,وكانت الأمم السالفة تعذب باتصالها جميعا كقوم نوح وعاد وثمود ,ولما بعث الله موسى عليه السلام رفع الله برحمته عذاب إهلاك الأمة جميعا ,ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم سئل ربه أن لايهلك أمته جميعا قال عليه الصلاة والسلام:( سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة أي بالجوع فاعطانيها وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فاعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها ). وأوضح فضيلته أن أول عذاب انزله الله في الأرض هو الغرق فاغرق فرعون وجنوده ,وأهلك مملكة سبأ بالماء,وهدد الآمنين من مكره بالغرق ,وأرسل على قوم عاد ريح عاتية ,وكان عليه الصلاة والسلام إذا رأى غيما أو ريحا خشي منها. ولفت فضيلته إلى أن أعظم عقوبة في الدنيا هي العقوبة في الدين وأن من نقض ميثاق ربه وأشرك مع الله غيره عوقب بقسوة القلب ,ومن دعا غير الله نزعت من قلبه محبة الله وأحب ما سواه , ومن تعلق تميمة تخلى الله عنه ووكله إلى ما علق ,وأنه قد يعاقب المرء في دينه بحبوط عمله. وقال فضيلة الشيخ عبدالمحسن القاسم إن عذاب الله شديد وعقابه سريع وأخذه اليم ووعده حق وبيده مقاليد السموات والأرض ولا يعجزه شئ وما يعلم جنوده إلا هو وأمره كلمح البصر وإذا عصى العبد ربه هان عليه ويستدرجه من حيث لا يعلم وهو لايخفى عليه شىء من أعمال خلقه قال تعالى ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم ).