تقول وزارة العدل بالأمس تعقيباً على الزميل الصديق تركي الدخيل، إن القضاة لدينا هم (الوحيدون في العالم) الذين يعملون بدوام يومي كامل وهم (الوحيدون في العالم) أيضاً الذين توجد لهم مكاتب رسمية في المحاكم. تقول الوزارة إن بقية قضاة العالم لا يحضرون المحاكم إلا في وقت الجلسات المجدولة. ولست اليوم معنياً بدوام القضاة ولا بمكاتبهم الرسمية: أنا مشغول هذا اليوم، فقط، بحكاية (الوحيدون في العالم). وذات مرة كتبت عن تحلية المياه ونقص الإمداد فتبرع لي مسؤول من الوزارة الموقرة بذات الجملة حين قال: (نحن الوحيدون في العالم) الذين نضخ ماء التحلية من البحر إلى ارتفاع 3000 متر، وأنا أقدر وأشكر أن هذا جهد استثنائي قد يصلح لربع صفحة في موسوعة جينس ولكن: كل القصة ليست بأكثر من ماكينة ضخ في أسفل العقبة الجبلية ولا يجب مطلقاً أن نحول قصة (ماطور) إلى امتياز (الوحيدون في هذا العالم). كم هي المرات التي تقاطعت معكم حكاية (الوحيدون في هذا العالم). تقاطعت معي هذه الحكاية تقريباً في كل حياتي الفكرية، وكلما ذهبت لمحاضرة أو حاولت أن أكتب دروس (الخصوصية) بالتحديد يأتيني الجواب المعلب: نحن الوحيدون بهذا العالم. أصبحت هذه اللزمة اللغوية حجة من لا حجة له، وعندما يعجز هؤلاء عن المقارعة الفكرية بالبراهين، يسرقون الجملة من طرف القاموس أو من تحت اللسان وكأنها مركونة للاستخدام في طرف مستودع. كلما طالبنا بصفحة تطوير لمناهج التعليم يأتي الجواب الجاهز أننا أصحاب رسالة أممية ونحن (الوحيدون في العالم) الذين لابد أن يتعلم طلابهم حدود مالي وصادرات بنجلاديش وتسلسل خلفاء بني العباس فمن سيتصدى لهذا (السِّفر) الضخم إذا لم ينهض له شباب هذه الأمة؟ وفي كل شيء، وأمام أي موضوع تظهر لنا من حيث لا ندري حكاية (الوحيدون في العالم) حتى في دوام القضاة الذي لا دخل له بالتوحد والتفرد والعولمة. وحتى نبحث الحكاية في صحتها ودقتها أقترح تشكيل لجنة وطنية اسمها (الوحيدون في العالم) ثم تنطلق اللجنة باتجاهات الدنيا الأربعة لتبحث لنا ما بقي مما لا نعرفه عن هذه (الوحيدون) لنضيفه إلى القاموس حتى ولو كان أننا (الوحيدون في العالم) الذين ينامون القيلولة أو يسهرون للفجر. قد يكون لدينا أشياء جميلة نحن (وحيدون) بها في (هذا العالم) دون أن نؤرخها ونوثقها لأجيالنا القادمة. ومن يدري فقد نستطيع بها أن نضيف حصة دراسية في فصولنا اسمها (مقرر الوحيدون في العالم).