شكسبير مسؤول عن ابتكار 700 كلمة وتركيبة لغوية في مسرحياته التي كتبها باللغة الانجليزية.. ومنذ وفاته مازالت هذه اللغة تستقبل عشرات الكلمات الجديدة التي تظهر في قاموس أكسفورد - ويمكنك العثور عليها بنهاية كل عام بإدخال التالي في جوجل:New Words Added To The Oxford Dictionary ففي الطبعة الثالثة مثلا أضيف للقاموس 2000 كلمة جديدة، وفي آخر طبعة 400 كلمة، وفي عام 2011 وحده 16 كلمة (من أكثرها شعبية Retweet التي تعني إعادة مشاركة رسائل تويتر مع الآخرين)!! - على أي حال؛ قبل الدخول في صلب الموضوع أود منك التفريق بين قدرة أي أمة على ابتكار كلمات جديدة، وبين قدرة الوسط الفني على ابتكار تراكيب عامية - ومواقف لفظية - تصبح مشهورة على ألسنة الناس.. فابتكار كلمات جديدة أمر يعتمد على حيوية الثقافة وإبداع الأمة التي تقف خلف اللغة ذاتها، أما ابتكار التراكيب العامية والجمل اللفظية فأمر تلقائي ومعتاد وتتساوى فيه الأمم الحية، والنائمة.. ففي حين وصلت مفردات الانجليزية اليوم الى (مليون كلمة) لم نضف نحن العرب للغتنا شيئا يذكر منذ وفاة الجاحظ وعبدالحميد الكاتب وتسطير "لسان العرب".. أما بخصوص التراكيب العامية فأعتقد أن مسرحياتنا العربية لا تقل مهارة عن مسرحيات شكسبير في خلق جمل وألفاظ يعشقها الناس ويدخلونها ضمن قواميسهم اليومية وتصبح بمثابة لزمات (أو آفيات) تسمعها في أي شارع عربي!! ولا أخفي عليكم.. خطرت ببالي فكرة هذا المقال بعد زيارة سريعة للقاهرة سمعت خلالها أكثر من جملة عامية اقتبست من أفلام ومسرحيات كوميدية. فمجرد أن تخبر أحد المصريين مثلا بأن اسمك "شفيق" حتى يجيبك بطريقة محمد نجم في مسرحية عش العصافير "شفيق ياراجل".. وما أن تقول بحسن نية "متعودة" حتى يكمل "داااايماً" على طريقة عادل إمام في مسرحية شاهد ما شفش حاجة.. وعادل إمام بالذات من أكثر الفنانين الذين خلقوا لزمات عامية وجمل كوميدية اشتهرت على ألسن الناس.. ومن جمله الظريفة التي سمعتها كثيرا في الشارع المصري: "في سااااعة الفسق"، "أنتا وآكل زفر ياحمد"، "العلم لا يكيل بالبدنجان"، "بعد 14 سنة خدمة ثانوي بتقولي أأقف".. ولاحظ أن معظم هذه الجمل أتت ضمن مسرحية مدرسة المشاغبين (التي يقف خلفها مؤلف غير معروف يدعى علي سالم) والتي أراها مسؤولة عن أكبر نسبة من اللزمات.. أو الآفيات حسب تعبير إخواننا المصريين.. فبالإضافة لجمل عادل إمام السابقة هناك جمل مشهورة قالها سعيد صالح في نفس المسرحية مثل: "هو الناس مش معادن!؟"، "سنتنتنضم الاذاعات المحلية"، "المقررات في بيروت سهللللة بشكل"، "مرسي الزناتي أتهزم يا رجاله".. أما زميلهم يونس شلبي فبالإضافة إلى أنه "مابيجمعش" طرح سؤالا بريئا جدا - ومشهور جدا - لدرجة ظهوره في أفلام وإعلانات كثيرة... "انجليزي ده يا مرسى؟". أما معلمتهم سهير البابلي فرغم جديتها طرحت سؤالا عميقا يتساوى أمامه الفلاسفة وضعاف العقول..."تعرف إيه عن المنطق؟". وخارج إطار هذه المسرحية هناك الكوميدان القزم محمد هنيدي الذي اشتهرت له آفيات لطيفة مثل: "هوه أنا متجوز صندل"، و"الفيلم ده كان قصة ولا شوية مناظر"، التي تحولت الى جملة مأثورة يستخدمها النقاد للتفريق بين الأفلام الجيدة والهابطة.. أما فؤاد المهندس فله جُمل سوداوية تتطلب المرور بذات الموقف مثل: "القانون ما بيعرفش زينب"، و"سيبيه يمسكها يافوزية"، و"صحيح بلد بتاع شهادات"، (وأذكر أنني اقتبست الجملة الأخيرة كمقدمة لمقال يتحدث عن تعلقنا نحن بحرف الدال)!! لا أخفي عليكم أنني كنت أبتسم طوال كتابتي لهذا المقال.. ليس فقط لأنني أستحضر في ذاكرتي كل هذه المواقف الطريفة، بل ولأننا أمة توقفت عن إبداع الكلمات الرائدة (وفشت غلها) في ابتكار المواقف الكوميدية الساخرة..