محمد بن عبداللطيف آل الشيخ - الجزيرة السعودية لا يمل المغيبون عن الوعي من الحديث في اللامعقول. والمغيبون ليس بالضرورة أن يكونوا غير متعلمين، وإنما منهم من نالوا أعلى الدرجات العلمية، وبعضهم بتفوق، ومع ذلك عندما تناقشهم في قضية (ما) لا تستقيم مع العقل، ولا ما أقام الله عليه سنن الكون، تجد وعيهم وإدراكهم وشهاداتهم، ناهيك بعقولهم، تتلاشى ليصبح ما هو منقول من كتب التراث أقوى من كل ما تعلمه من منطق وعقل ومنهج علمي في القبول والرفض. الجهاد، وقضايا الجهاد، كانت أفضل الطرق لتجنيد الكوادر الحركية في التنظيمات الإسلاموية. من يقرأ تاريخنا القريب يجد أن تجنيد كل عناصر القاعدة والمنتمين إلى الإرهاب - مثلاً - تمت بذريعة مناصرة الجهاد، وكأنَّ محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - بعثه الله ليقتل ويفجر وينثر أشلاء مَن يختلف معهم على الطرقات. وقد استغل الحركيون الجهاد استغلالاً مغرضاً خبيثاً، لتنفيذ أغراضهم السياسية السلطوية، فهم (ساسة) حركيون، الغاية لديهم تبرر الوسيلة، حتى وإن كانت الوسيلة نسج الكذب وصناعة الافتراءات لخدمة أهدافهم وأيديولوجيتهم السياسية. سراج الزهراني كان واحداً من الشباب ممن (شُحنوا) إلى أفغانستان لنصرة الجهاد الأفغاني آنذاك، وقد تكشفت له الحقيقة هناك، وأدرك أن الجهاد الأفغاني مجرد حركات تخدم (ساسة) كأي حركات سياسية أخرى. قناة (العربية) أجرت مع الزهراني لقاء عن تلك المرحلة، كان فيها بمثابة الشاهد، الذي تحدث بما رأى، وكان من ضمن ما رواه قصة، أو هي (كذبة)، كان الأفغان وحلفاؤهم من العرب يتداولونها، ويروجون لها، ويتلقاها الشباب الغر بقبول لا يشوبه أي قدر من الشك. القصة، أو هي الكذبة، تتحدث عن (أب جاء لزيارة ابنه فوجد رفاقه يقولون له إنه مات شهيدا واصطحبوه إلى قبره فجلس الوالد بجانب القبر يبكي وطلب من ابنه الميت والمدفون أن يخبره بأنه فعلا شهيد.. فوجد يد ابنه تمتد من داخل القبر وتصافحه، وسمع صوت ابنه يدعوه ألا يحزن لأنه أصبح شهيدا)! وما زلنا نتذكر الكذبة الأخرى التي روّجها مجموعة من كوادر المتأسلمين الحركيين، وتمّ فبركة مشاهد لها على (اليوتيوب) في الإنترنت، تقول الكذبة: إن قبر أحد المطربين يمتلئ بجحور الثعابين، وتم إخراج مشاهد بالفيديو تثبت ما يدعون، وأتذكر أن أحد المغرر بهم دخل علينا وقال مشدوهاً: (دريتوا وش صار في قبر فلان المطرب؟ صار قبره مستعمرة ثعابين والعياذ بالله) قلت ساخراً: كان الأجدر بمن فبرك هذه الخرافة أن يوجه حملاته التشويهية هذه للإمام ابن حزم - رحمه الله - فهو الذي أباح الطرب والسماع، وليس صاحبنا المطرب المسكين؟. احتدّ، وقال: هل سمعت أغاني الغزل والتشبيب بنساء المسلمين التي كان يُغنيها؟. قلت: وهل سمعت أنت قصيدة (بنات سعاد) التي ألقاها كعب بن زهير - رضي الله عنه - بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف وصف، وبالتفاصيل، (جسد) عشيقته سعاد، ومن شدة إعجاب الرسول بقصيدته خلعَ عليه بردته؛ فما الفرق؟ كل ما أريد أن أقوله هنا إنّ تغييب العقل، ومصادرة الوعي، وتكريس الخرافات، هي أقصر الطرق لتحويل (الكادر) الشاب إلى عجينة طيعة، حتى إذا ما طلبوا منه أن يحشو دبره بالمتفجرات، فلن يمانع، طالما أن الهدف الجهاد؛ وكما قال أحد منظريهم يروج لما يفعلون: المجاهد مجتهد، فإن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران؛ أي أنه في كلتا الحالتين مأجور؛ أما ما يترتب على جهاده من تبعات ومآس وأهوال وإرهاب وإساءة لصورة الإسلام فلا يخطر لهم ولا لمنظريهم ببال. إلى اللقاء.