منذ زمن عبد الله عزام وعبد رب الرسول سياف وحكمتيار وبقية زعماء الحروب الأفغانية من حرب الاتحاد السوفييتي حتى ضحايا الجهاد الإسلامي من العرب، ونحن لم نعد نسمع عن كرامات الشهداء والصديقين، كانت كتب الكرامات توزع في المساجد في مدننا، وفي المدارس وكان بعض القريبين من الإيمان بالجهاد وحكايات الدم الذي لا يتخثر ورائحة المسك يرددون على رؤوسنا البكاء والحور العين. لا شيء من هذا حدث سوى أنها كانت الوسيلة الإعلامية الوحيدة المتاحة والمستغلة لإقناع العالم بحقيقة الإسلام الأفغاني وقادته (المستثمرين). هذه أسماء نسيناها ولم يعد أحد يتذكرها. محرك البحث قادني مثلما يقود غيري للمعلومات وتحديثاتها إلى أحد المواقع الإسلامية ووجدت أن معظم رموز القتل الأفغاني إما أنهم أصبحوا يوصفون بالعملاء أو بباعة الهيروين وتجار الأسلحة! أما الأقل منهم هيبة فصاروا يتلقون دعماً من إيران، هذا ما تقوله مواقع وشبكات إسلامية، زمن الإيمان بهم انتهى وانتهت قصص كثيرة وأبناء كثر راحوا ضحايا استغلال وتجارة أسلحة ومخدرات. إعادة ذكرهم لا علاقة لها بمقتل ابن لادن، إنما بالثورة الليبية التي قال فيها مراسل إحدى القنوات التلفزيونية يوم الجمعة أن خطيبا في إحدى الساحات في مدينة بنغازي ذكر الكرامات التي تشير إلى عزّة شهداء الثورة، وقبلها تحدث ساحر العقيد عن حرب من الجان وأثناء الثورة تم عرض غبار كثيف قالت عنه مقدمة نشرة الأخبار: إنها من كرامات العقيد وأن الأعاصير تطارد فلول الهاربين من الجرذان ولا أعرف ماذا قال عنها خطيب الجمعة! يبدو أن إعلام الجماهيرية لم يتقدم كثيراً عن زمن الجهاد الأفغاني، ولم يختلف العقيد عن عبد الله عزام كثيراً وأن خطيب الجمعة الذي يتحدث عن الكرامات في هذا الزمن هو أحد خريجي كتب عزام. لم تعد الخطبة هي الوسيلة والحل الوحيد للدجل الذي كان يتردد طوال أكثر من عشرين عاماً قبل أن تتكشف حقيقة الزعماء، ولم تعد كتيبات دهن العود هي مصدر المعرفة لكي يظهر في هذا الوقت من يروج الكرامات ليكسب التعاطف والحشد والتأييد. ثورة ليبيا لا تختلف كثيرا عن ثورة الشعوب العربية الأخرى، رغم ما حاولت فعله الأنظمة في حصار الشعوب في نطاقات ضيقة. وكل محاولات إعادة الشعوب إلى مناطق الظلام وخطب الكرامات تشير إلى مرحلة متخلفة لا تتناسب نهائياً مع حياة العصر الجديد، عصر الثورة المعلوماتية والتقدم المعرفي والكفر بالخرافات والأساطير التي كانت تتردد في أفقر بلاد العالم معرفياً ولا تتجاوز مساحة القتال فيها عن مناطق عارية إلا من الحمير والأسلحة المنتهية الصلاحية. [email protected]