ناصر الصرامي - الجزيرة السعودية إن كان السبكي قال»لحوم العلماء مسمومة» كعبارة فقط، إلا أن الحوار ومفردات الرؤية القرمانية، بتفاصيلها هي أقرب تأثرا بالتصوف. استخدمها الخطاب الديني في مراحل تاريخية معينة، إلا أن الخطاب المسمى بالصحوي التقط العبارة،كرسها ووظفها لصالح أدبياته وخطبه، لحماية رموزه الحركية من النقد والتمحيص، وحتى تبقى أفكارهم واجتهاداتهم فوقهما، فيما كان خطاب الصحوة ذاته يهاجم من يسميهم بعلماء السلطان، ويقصد بهم «المقرين بشرعية الدول الحديثة وضرورة اتباع النظام، وولي الأمر».ومن خلال أدبيات أقرب إلى التصوف الإسلامي في عرضها، أخذت هذه العبارة، وتم التكريس لها لتصبح أقرب إلى نص يقترب من القداسة، ومن ثم استغلالها لحماية الجماعة أو الحركة الخاصة ضمن جهد مستمر يهدف إلى منع أي محاولة نقدية للخطاب الديني الصحوي بشكل خاص، والخطاب الديني بشكل عام. وبالتالي الدعوة إلى التقليد والاتباع في ظل تهميش كلي للعقل. صحيح أنه قد يحوز الاقتداء بشخص لتقواه وقدره وأخلاقه ولمكانته في نفوس الناس، كما تقدير واحترام علماء مختلف العلوم التي تفيد الإنسانية والتنمية البشرية، وعلماء الشريعة المتبحرين طبعا، إلا أن هذا لا يعني الانصياع المطلق، فالأشخاص مهما بلغ علمهم هم فقط وسيلة لفهم شرع منهم ليس إلا، واجتهادهم قابل للخطأ كما الصواب. ومنذ البدايات الأولى للحضارة الإسلامية كانت الفكرة السائدة عن الجميع صحابة وتابعين وعلماء أنهم بشر يخطئ الواحد منهم ويصيب، وبالتالي فهم معرضون للنقد والسؤال والمحاورة والنقاش، وهى الفكرة التي تخشى أي حركة سياسية إسلاموية أيدلوجية من خطر تصحيحها وبعثها. حتى أصبحت العبارة،مجرد وسيلة مقننة بهدف إيقاف أي حوار شرعي أو عقلي،والرضوخ والرضا بأحكام التحريم والتكفير والتشهير والانقياد والتصنيف، هنا يسعى هذا الخطاب إلى تكريس حصانته ولضمان تفرده وأحاديته. الواضح أن مقولة «لحوم العلماء مسمومة» مجرد عبارة عامة، ولو صدقناها بالمطلق سنختلف أيضا - عن أي العلماء نتحدث؟،وهل تطبق أيضا على علماء خارج دائرتنا الجغرافية والمذهبية؟. أو خارج دائرة طلاب العلم الحركيين الذين يتعاطون السياسة ويتداخلون في شؤون الناس العامة والخاصة...وغيرهم كثير؟. إلى لقاء