انباؤكم - م. راكان آل مسلم – الدوحة قبل كل شيء، لابد وأن أعترف بأنني من أجبن خلق الله، وأكثرهم خوفاً، وأشدهم (صكصكةً) للسيقان، وتغميضاً للعيون، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بجهاز المباحث، والجواسيس! حتى أنني لا أستطيع التنفس بعمق، إذا علمتُ أن أحدَ أفراد المباحث مرّ بجواري، أو حتى جلس في نفس مجلسي، بل سأكون في وضعية ال (ستوب)، في لعبة الأطفال الأشهر (حركة.. حركة.. ستوب!) بل إنني أحس بأن مفردة (الجاسوسية) مخيفةٌ إلى حد الهلع، والهلوسة، والانشطار الكوني، وتصيبني بنوبات انفصام متتالية، لا تنتهي النوبة الأولى حتى تتبعها الثانية! وأذكر أنني قبل أربع سنوات تقريباً، (تزيد أو تنقص قليلاً)، يوم أن كنتُ منحرفاً، خرِّيتاً، كثير اللعب، والطيش، وأؤمن بأفكار الليبرالية السعودية، وأحلق شنبي على (الزيرو)، وأكرع كئوس الفودكا الشهية بنهم، وأراقص الفتيات بمجون، وتخلُّع.. أقول.. أذكر أنني كنتُ نائماً في إحدى استراحات الرياض الشهيرة، مع شلة شباب وبنات، حيث كرعنا وكرعنا وكرعنا.. حتى أُغمي علينا، وفطسنا من التخمة، (طبعاً قرأنا قبل تلك الفطسة الشهيرة، وبصوت جماعي: كل مقالات السيد شاكر النابلسي في تمجيد الليبرالية السعودية!) المهم (رقم واحد).. بعدما أفَقنا من فطستنا بقليل، قام صديقي (ريان) خطيباً بيننا، وهو لمن لا يعرفه شابٌ في مقتبل العمر، ريانٌ جداً.. جداً جداً، إلى درجة أنك إذا رأيت تضاريسه الخلفية.. فلا تكاد تفرِّق بينه وبين امرأة حامل، في شهرها الأخير! ولولا أنني أحترم قرائي كثيراً، وأخاف على سمعتي، وعلى مستقبل بعض العزاب والعازبات، لأسهبت في الوصف، والتنقيب، والتشريح، حيث أنني أمتلك مهارات فائقة في هذا الجانب! المهم (رقم اثنين).. أن صديقي ريان، قال لنا وهو يترنح، ويتمايل سُكْراً، وعربدة، قال بأن هذا اليوم سيكون تاريخياً، وفارقاً، ومشهوداً من أيام الليبرالية السعودية الحديثة! الحقيقة.. أن أعناق الشباب، وأثداء الفتيات.. اشرأبّت لهذا الإعلان المثير، والكل صار يترقب ماهو السر الكبير.. الذي سيعلِن عنه هذا الريان! قال بالحرف الواحد: "لابد أن تعوا جيداً.. بأن هذا هو عصرنا، وهذه هي فرصتنا الأهم.. من أجل التنوير الأكبر، وتقشير الظلام من كل العيون، حيث قررتْ إدراتنا المصونة، وبأغلبية ساحقة.. بأن توزع أدوار العمل بين جميع أفراد التنظيم الأعظم، وقد اختارتكم جميعاً للانتساب إلى (تنظيم المباحث الليبرالية)، وسوف يكون لدينا عدد من الأنشطة، ومن أبرزها... " الصراحة؛ أنني شهقتُ شهقةً عظيمة.. عظيمةً جداً..! وذلك عندما سمعتُه يردد كلمة (المباحث.. المباحث)، شهقتُ من كل قلبي، شهقتُ حتى فنِيتْ جميع ذرات الأوكسجين من جوفي، ثم سمعتُ صديقتي الحميمة (جوليانا) تشهق شهقةً أنثوية مخنوقة، ثم تتابعت الشهقات والشهقات من جميع الأولاد والبنات! إلا أن صديقي الريان، سارع بتخفيف وقع الصدمة علينا، حين استدرك وقال بأن: " جهاز المباحث الجديد.. سيكون موجَّهاً صوب رؤوس المطاوعة، والمشايخ، والمتمشيخين، والمتصحونين، والإسلامويين.. بس!" وهنا.. فقط..! ارتدّ إليّ نفَسي، وهدأتْ نفْسي، ولليبرالية الفضل، والحمد، والمنة. :: وبعدَ أن أصبحنا أعضاءَ فاعلين في هذا التنظيم الجديد، (تنظيم المباحث الليبرالية)، أصبحتْ لدينا فَراسةٌ عالية، وحاسةُ شمٍ مذهلة، تفوق التصورات، وتستطيع الكشف عن جميع الممنوعات ! حتى أنني يوماً.. استضفتُ صديقي الحميم ريان في منزلي، وقدِم بصحبة فتاتين.. لا أحلى، ولا أجمل (وهذا من لزوم البرستيج الليبرالي المجيد)، وبعد عدة دقائق من دخوله منزلي، حدث أمر عجيب للغاية! حيث لم أنتبه إلى صديقي ريان إلا وهو يحك أنفه بشراسة، ويدْعك على شفتيه بشكل مخيف! سألته السبب؟! فلم يزد إلا أن بالغ في (حكحكة) أنفه بصورة أكثر عنفاً، وتركيزاً، وقوة، ومن ثم دخل في حالةِ هيجان وميجان غريبة، ثم...! ثم.. انقضَّ على الكنبة التي بجواري، وجعل (يتشمشمها) من أعلى إلى أسفل، ثم تغيرتْ ملامح وجهه بشكل مرعب، ورفع شفتيه إلى أنفه، وحركها في جميع الاتجاهات، وأصبح يُصدر أصواتاً غريبة! رمقني بنظرة نافذة، لم أرَ أشد منها رعباً في حياتي، وقال بنبرة مسعورة، متسارعة: " أنا.. أنا.. قاعد أشم ريحة غريبة عندك" أفزعني المنظر، وفكرت بالهرب، لولا أنه انقض عليّ فجأة، وجعل يستنشقني ويشمشمني في كل موضع من جسدي، تماما كما يفعل الكلب البوليسي الشهير (بلاك كوت)، ذو اللون الأسود المفزع، والعينين الفاتحتين اللامعتين! ربض صديقي الريان جداً جداً على صدري، فسمعتُ طقطقة أحد أضلاعي العلوية، رأيت الموت رأي العين، وأصبحتْ عيناي تدوران، تأهباً للقفز من خدرها، ثم تذكرتُ...! تذكرتُ كلمة السر! كلمة السر التي هي حجابٌ من كل اعتداء، ودواء من كل داء، اتفق عليها جميع أعضاء التنظيم الدولي، وبالكاد نطقتُ، وقلت: " فووودددد" كررت المحاولة، وقلت: " فووودكا المطاااوعة" وعلى الفور، انزاحتْ أطنانُ الشحم واللحم من على صدري، ثم قفز (ريان) بخفةٍ غريبة إلى الطاولة التي بجواري، وحرك أنفه في كل اتجاه، حتى حصل على بُغيته، وانتشل كتاباً كان يختبئ في أحد الدروج السفلية، وجعل يتشمشمه ويلحسه، ويصرخ بكل هياج، كمن اكتشف كنزه الأعظم ! وفي هذه اللحظة.. فقط ! قامت (جوليانا) بكل أناقة، ودلع، وميعان، ووضعت قطعة لحمٍ في فمه، وقطعةَ (درايْ فود) في جيبه العلوي، وأخذتْ الكتاب من بين يديه، ثم أمرته بالعودة إلى مكانه بكل هدوء! بالكاد.. قمتُ من مكاني على وقع ضحكات جوليانا، حيث أنها قرأتْ كلمةً بارزة على غلاف الكتاب، قرأتْها، ولم تستطع كبح جماحها من الضحك! كانت تلك الكلمة .. هي (المنجد)!! قالت ضاحكة: " المنجد.. المنجد.. إنه ليس ذلك الشيخ السوري، الصحونجي، الإسلاموي، ولكنه.."، وخنقتها ضحكاتٌ ماجنة. :: اكتشفتُ بعد عدة أيام، وبعد أن عاد لي عقلي، ورشدي، وبعد أن تعافى ضلعي المكسور، اكتشفتُ بأن صديقي الريان لديه حاسة شم خارقة للعادة، والمألوف، والقدرات البشرية، وحتى قدرات الكلاب البوليسية، حيث أنه استطاع استنشاق رائحةَ كلمة (المنجد) الموجودة على غلاف كتاب لغوي، اسمه: " المنْجِد في اللغة العربية"، وهو معجم عربي شهير، يهتم بالمعاني، والمترادفات، ويشرحها بتفصيل، ولا علاقة له من قريب ولا من بعيد بالشيخ المنجد ! الصراحة: تعجبتُ كثيراً من قدرة أنف هذا الكلب البوليسي.. على قراءة حروف الكلمات، وهي مطبوعة على أغلفة الكتب، ومن ثم عقد مقارنات حية مع الواقع الفكري والسياسي! لكن.. لكن الصراحة يا أحبابي، أنني بعد أن ركد عقلي قليلاً، وبعد أن كثُرتْ مواعيدي الغرامية مع صديقتي الليبرالية الساحرة.. جوليانا، واستقرتْ أحوالي الاجتماعية، وابتعدتُ نسبياً عن تنظيم المباحث الليبرالية، أقول.. بعد ذلك لم أعد اتفاجأ من قدرات ال (بلاك كوت) الخارقة للعادة، خصوصاً بعد الحادثة الأخيرة.. والتي كانت تستهدف شمشمة مجموعة مواقع الشيخ المنجد، والبحث، والتنقيب، ومن ثم الحصول على فتوى الجمارك الشهيرة، حيث استطاعوا شمشمتها من بين أكثر من 140 ألف فتوى، وبعد عشر سنوات كاملة من كتابة الفتوى! ولم أستغرب كذلك من شمشمة تنظيم المباحث الليبرالي الدولي.. لإذاعة القرآن (اللحيدانية)، ولا لقناة المجد (الشثرية)، ولا لبرنامج الراصد و(ميكي ماوس)، ولا لنشيد (العوفي) في جبهة الحوثيين، ولا لبعض مخطوطات الفتاوى القديمة، والحديثة، ولا.. ولا.. ! :: وفي لحظاتِ تجلٍ خاصة، حادثني صديقي الريان بحديثٍ أكثر خصوصية، طبعاً بحضور جمعٍ كبير من الفتيات الحسناوات، أخبرني بأنه نَظَم بيتاً خالداً.. في أولى ضحاياه من الصحويين، الذي سبق وأن وشى بهم، وقام بشم رائحته عن بعد، واستخدم مواهب الكلاب البوليسية، وقال هذا البيت، وسيجارةُ الحشيش محشورةٌ حشراً بين أصبعيه، قال في ضحيته المسكين: خَذوه المباحث في قضايا سياسيّة وهسّتر وروّح في ديارن خلاويّه بقي أن أقول.. بأن صديقي ريان، لا يحلو له نظم الشعر إلا وهو مخمور، مقعور على بطنه، مبلل البنطال، حاسر الرأس، وحاسر الصدر، وحاسر البطن، وحاسر... (بس كفاية كده)، حيث لازلت أذكر أنه نظم شعراً كثيراً وهو على هذه الحالة، نسيت شعره كله، لأنني لم أكن في كامل وعيي يومها، وذلك في فندق بالاسي في البحرين! إلا أنني مازلت أذكر بعض حديثه، حيث أنه كان يدّعى بأنه شخصٌ متنور، ومستنير، وإصلاحي، ومفكر، وكاتب، وحر، وحروري (لا آسف.. حروري هذي بتاع عيسى الغيث بس)! بقي أن أقول أيضاً.. بأن (تنظيم المباحث الليبرالي) يعمل لحسابه الكثير من الأشخاص، منهم مثلاً: بعض كتاب الأعمدة المنبطحة، وبعض أصحاب الصحف الإلكترونية الشهيرة، وبعض الشخصيات التائهة، والتافهة، والضالة في ربوع وطننا العربي الكبير! حيث أن عدداً من أعضاء التنظيم الليرالي.. يتجولون دائماً وفي أيديهم مسدسات محشوة بالرصاص، وفي جيوبهم تصاريح مخوِّلة بالقتل، والاغتيال، والتحريش، والشمشمة.. على طريقة البطل الأسطوري (جيمس بوند) ! وقبل أن أنسى.. فقد كان عنوان مقالي الظريف هو (حينما يتحول "الشيخ المنجد".. إلى رجل مباحث !! )، إلا أنني ربما خانني التعبير قليلاً، ولم أستطع إيصال الفكرة كما ينبغي! ولست أعلم هل وصلت فكرتي كاملة، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تأويل؟! أم لا؟! على كل حال.. لقد كنتُ أحاول إيصال فكرةٍ ما، فكرةٍ لم تعد خافية على أي شخص، سواء كان عاقلاً أم غير عاقل، سواءً كان يحشش بنهم، ويكرع بنهم، ويهذي في الاستراحات، والفنادق، أم كان لا يفعل ذلك إلا مرة في الشهر فقط! أقول.. بأنني حاولت أن ألملم شعث حديثي، وأجعل لب الموضوع تحت مانشيت عريض، وعنوان أكثر وضوحاً، ودقة، وهو: (حينما يتحول الليبرالي.. إلى رجل مباحث ! ) ولست أدري هل أحسنت صنعاً، أم لا ؟! فإن أحسنتُ فأحمدُ الله وحده، وإن أسأت فمن نفسي، والشيطان، والحشيشة، وكأس الفودكا اللعينة ! [email protected]