ما يزال الإنسان يسعى جاهداً لمحاكاة حواسه عبر الاختراعات ، وكما استطاع ان ينطق الحديد كما اللسان عبر مكبرات الصوت ، فإنه استطاع أن يحاكي حاسة السمع عبر المايكروفون ، وأصبحت كل كاميرا تحوي عدسة تحاكي أعيننا في حاسة النظر ، ونحن هنا بصدد الحديث عن حاسة الشم عبر الأنف الإلكتروني ، فسبحان الخالق الذي خلقنا وصورنا ورزقنا عقولاً تتفكر. في صباح مشرق من صباحات واشطن قبل عشر سنوات ، وفي مؤتمر الانظمة الذكية ، كنا في شوق الى موعد محاضرة بعنوان ( الأنف الإلكتروني ) ، وكنا نتشوق الى صاحب هذه المحاضرة وهل هو من العلماء المشاهير الذين تتلمذنا على كتبهم ، إذ خرج علينا رجل قد احدودب ظهره ، ذو لحية بيضاء كثيفة ، يلبس ثوباً أسوداً كثيابنا الشتوية ، تبدو عليه ملامح روسية ، بدأ الحديث بلغة انجليزية ركيكة لكن سحر معادلاتها مبهر ، فتحدث عن نظريته في الأنف الإلكتروني ، وكيف أنها ستكون من المخترعات التي ستضيف للبشرية شيئاً مفيداً ، وكيف أنه من خلال مجسات كيميائية متصلة ببعضها عبر دوائر إلكترونية تتعرف على كل مركب كيميائي وتقارنه بقاعدة بيانات للروائح مخزنة فيها مسبقاً ، والعجيب أنه أفصح عن محاولة بعض الدكاترة من استمالته وتجيير المخترع لهم إلا أنه رفض كل مغرياتهم ، فأعجبني فيه ثلاث خصال ، جده واجتهاده في هذه النظرية ، واعتزازه بثقافته ومظهره ، وأمانته العلمية. قريبا ستصبح تلك النظريات التي كانت تروج في ردهات المؤتمرات العلمية واقعاً ملموساً ، وسيتمكن الناس من شم العطورات وتجربتها عبر الإنترنت قبل شرائها ، وسيكون للإنترنت أريج رائع كروعة كل أريج ، فبمجرد دخولك الى بعض مواقع الإنترنت فإنك ستسمع الى أصواتا عذبة تخرج من سماعات جهازك وتخالطها روائح زكية تخرج من أنف جهازك ، وحدث ولا حرج عن أنواع التطبيقات على الانترنت التي ستكون للرائحة فيها دور كبير. وسيكون للأنف الالكتروني أشكال متعددة ، فمنها ماهو على شكل أجهزة صغيرة جداً يضعها المرء في أماكن معينة من جسمه بحيث تصدر تنبيها عندما تنبعث روائح غير مرغوب فيها. مثال آخر ... يمكن أن تزود أواني الطبخ بقطع صغيرة تشم رائحة إحراق الطعام وقت ظهوره لتتمكن سيدة المنزل من تدارك شعبيتها امام زوجها ، وحتى أمنيا فتستخدم الأنوف الإلكترونية في اكتشاف المخدرات والمتفجرات كما هي الكلاب البوليسية. وكذلك طبياً سيستخدم هذا الانف في شم الطعام المراد أكله والتاكد من عدم وجود بكتيريا ضارة فيه. أعتقد أن الحياة ستكون أكثر تعقيداً. ما يميز الخشم الالكتروني هو استطاعتة التعرف على الروائح من مسافات بعيدة جداً ، ويستطيع أن يعمل طوال اليوم وبدون توقف. أتخيل أن سماعات الرأس ستتغير قريبا ، وحيث أن معظمها حالياً يخرج منه مايكروفون يكون أمام الفم ، فإنها قريبا وبلا شك سيخرج منها آخر يكون أمام الأنف لشم الروائح الالكترونية !! ويبقى السؤال ..... هل سيكون اسمه إي نوز ( E-nose ) أو ( مايكرونوز ) أم ماذا ؟