ربما فات على الكثير أن يتأمل السؤال الذي طرحه الزميل الصديق، عضو مجلس الشورى، الدكتور سعد مارق حول قدرة البنية الإدارية على إدارة ميزانية حكومية بهذه المليارات المئوية. والجواب المؤكد هو، لا، بالفم المليان، لأن علم الإدارة المالية أعقد بقليل من كتب الطبخ، وإذا كانت البراهين تؤكد أن سواد موظفي القطاع العام مرتهنون بنكياً بقروض ليلة الراتب، وإذا كان هؤلاء لا يستطيعون إدارة فتات – المعاش – الشهري – فكيف يرون موازنة مليارية. ولو أن القصة في – المشاريع الضائعة – التي تحدث عنها بحرارة ووضوح خادم الحرمين الشريفين ليلة الميزانية – يحفظه الله – لقبلنا الأمر بأمل التنفيذ، ولكن المشكلة الأدهى أن مليارات هذه المشاريع لم تعد في الجيب، ولا البند أو الاحتياط. هذه المشاريع نفذت تماماً، ولكنها لم تر النور، وهذه معادلة لغوية يصعب أن يبلعها أو يستوعبها وطني غيور وبضمير حي. خذوا هذه الأمثلة: ننتظر منذ أربع سنوات ازدواج طريق حيوي بمسافة لا تزيد على مسؤوليتي بخمسة عشر كيلاً، وكل كيلٍ واحد رسا على المقاول الأصل بثلاثة ملايين. وألم العذاب الذي لا يسأل عنه أحد: هل نحتاج لأربع سنين كي ننجز في العام الواحد ثلاثة كيلومترات ونصف الكيلو، ولم نصل للنهاية بعد؟ تخيلوا، فقط، أن جُّل الطرق التي ترسو على أي مقاول بمنطقتي يتسلمها وافد أجنبي شهير لا باسمه – المختلف – بل بمعداته المستأجرة من النافذين، وسأحمل على مسؤوليتي القول الذي يمكن لمن أراد أن يحاسبني عليه، أن سواد هذه المعدات تستأجر إرضاءً للذين سيوقعون في المستقبل على أوراق الاستلام. تخيلوا أيضا، أننا أصبحنا نستمرئ ثقافة – عقود المكتب – التي تذهب بالمشاريع الضخمة إلى مقاولين من العيار الثقيل، ولكن الثقل في الاسم، لأننا نعرف على المكشوف أن المقاول من هؤلاء لا يمتلك جهازاً واحداً يستحق الذكر من أجل مباشرة المشروع. البركة في مقاولات الباطن، وعلى مسؤوليتي مرة أخرى، وكم أكثرت من مسؤوليتي اليوم، أن أسرد لكم حديث هؤلاء من (الباطن) وهو يذكر لي أنه المقاول الخامس من الباطن لأحد المشاريع، فكم نصيب كل فرد من مقاولي – الشنطة – الأربعة من قبل، وكم هي قيمة المشروع الأصل في الورقة الحكومية الأولى وأي نوع من المشاريع هو ما سنحصل عليه بعد خمسة بطون يشبع البطن الواحد منها قبل أن يهب الفتات للبطن الذي يليه.