تركي الدخيل - الوطن السعودية لن أبالغ إذا ما اعتبرت جامعة "كاوست" ليست مجرد حدث تنموي في مجال تطوير الأبحاث وتنمية مسارات التعليم في المملكة، وإنما تحول افتتاحها إلى حدث فكري واجتماعي وديني، بل يمكن تحضير رسالة أكاديمية كاملة عن جدل الخطاب الديني بعد افتتاح جامعة "كاوست". من بين أولئك الفقهاء الذين أخذوا على عاتقهم إيضاح آرائهم في الاختلاط، الشيخ القاضي: عيسى الغيث، الذي كرس مقالات كثيرة، ودخل في جدل محتدم من أجل إبداء رأيه حول الاختلاط؛ وكان صوته هو الأعلى والأوضح من بين الآخرين. ذلك أنه انطلق من أرضية فقهية محرّرة، لم تتلوث بالشوائب التاريخية، لهذا فهو يصر على تحرير مصطلح الاختلاط وعدم الزج به في مجالات التنمية. كانت أبحاثه التي نشرها في صحيفة الرياض مميزة. وهو من الذين انتصروا لرأي وزير العدل الدكتور محمد العيسى في طرحه عن الاختلاط. من الطبيعي أن تفتتح جامعة ولا يحدث الكثير من الضجيج، لكن جامعة "كاوست" استطاعت أن تعيد إلى الواجهة الكثير من الأزمات الفكرية التي لم تحل، وبخاصة على مستوى الخطاب الديني. وحينما استضفت الشيخ عيسى في "إضاءات" الذي سيبث اليوم كان يحمل في طرحه خطاباً دينياً متجدداً، ولولا افتتاح هذه الجامعة لما تشجع هؤلاء الفقهاء على الصدح برأي لم يأت ظرف إبدائه. الغيث في حديثه ل"إضاءات" تحدث عن المارثون الحواري الذي خاضه بكل لياقة وصبر، وعن آرائه التي أحدثت هزة في الفكر الديني، ذلك أنه مع أمثاله أحيوا أمة كادت تختنق من تضخم مسائل فقهية يوماً بعد يوم يتضح أنها لم تكن مبنية على أساس متين، لهذا عندما سألته عن الاختلاط فرّق بين الاختلاط كمصطلح وبينه كلفظٍ موجود. كما تحدث عن مشروع الملك عبد الله للإصلاح القضائي والذي ينتظر أن يكون نقلة في تاريخ القضاء في السعودية. قلت: ولو لم يكن من الشيخ عيسى الغيث إلا وقوفه الصلب مدافعاً عن رأيه أمام الكثير من الكتابات المجهولة والأسماء المستعارة التي نهشت لحمه لكفاه. لقد كشف في "إضاءات" الكثير من الجوانب المجهولة والمهملة في مسألة الصراع الفكري بعد افتتاح جامعة "كاوست". نأمل من مثل هذا الخطاب أن يكون سائداً في المستقبل بعد أن شبع الناس من الخطابات الفقهية المتوترة.